قسمة 1

الجزء الثاني‏

 [تتمة اختيارات ولي الأمر و المنابع المالية لولايته‏]

المقام الثاني في تعداد المنابع المالية لولاية الأمر

مقدّمة في بيان أمرين مهمّين:

قبل الورود في تعداد المنابع المالية لا بدّ من بيان أمرين:

أحدهما [هذه الأموال قسمان: قسم لوليّ الأمر، و قسم للمسلمين‏]

أنّ هذه الأموال الّتي بيد وليّ الأمر علی كثرة أنواعها تنقسم قسمين: فقسم منها بمقتضی أدلّة إثباتها عدّ ملكا لوليّ الأمر و إمام الامّة سواء كان رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله أو أحد الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، و قسم آخر منها بمقتضی أدلّته ملك للمسلمين جعل وليّ الأمر أمينا فيه يصرفه في مصارفه، فمن الأوّل الأنفال و الخمس، و من الثاني الأراضي المفتوحة عنوة، و الدليل علی هذا الفرق و تعيين مصاديقه هو الأدلّة الواردة، و ستأتي إن شاء اللّه تعالی.

ثانيهما أنّ ظاهر الأدلّة الواردة في القسم الأوّل أنّ الأموال المذكورة ملك لوليّ الأمر

                       

يتصرّف فيها تصرّف المالكين في أموالهم و إن كان الهدف الأصيل من جعلها ملكا له أن يكون بيده أموال بها تتحقّق الواجبات الإلهية الولائية، فإعداد أموال لتحقّق الأهداف الولائية بمنزلة العلّة الغائية من جعل تلك الأموال ملكا لوليّ الأمر، فلو فرض أنّ أموال الحكومات المتعارفة عند الناس أموال دولية ليس شي‏ء منها ملكا لوليّ الأمر عندهم بل هو أيضا كموظّف و عامل حكومي يجعل له اجرة معيّنة في كلّ شهر مثلا قبال عمله و أمين للناس و الرعية في أن يصرف هذه الأموال مصارفها المضبوطة و في أن يحفظها عن الضياع و أن يعمل بالنسبة إليه معاملات و تجارات توجب ازديادها و أخذ أعواض عنها، فلو فرض هذا في الأموال الدولية في الحكومات الدنياوية إلّا أنّ شرع الإسلام جعل أقساما متعدّدة من الأموال ملكا لوليّ أمر الامّة يصرفها فيما يشاء و في المصارف اللازمة الولائية في عين أنّ له قسما آخر هو أموال للأمّة و الرعيّة، و وليّ الأمر أمين من اللّه عليه.

فمن باب المثال قول أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام في صحيح حفص بن البختري:

الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، و كلّ أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء «1». بمقتضی إطلاق الاختصاص المستفاد من اللام و بمقتضی ظهور قوله عليه السّلام: «يضعه حيث يشاء» يدلّ دلالة واضحة علی أنّ الأنفال كلّها مختصّة بالنبيّ ثمّ بعده للإمام الّذي بعده و الاختصاص المطلق عبارة اخری عن الملك الطلق، كما أنّ حكم «يضعه حيث يشاء» أيضا تأكيد لهذه الملكية و بيان لإطلاق ملكية الولي لها بحيث يكون تعيين مصرفها موكول إلی مشيئته.

فهذا في موضوع الأنفال، و هكذا الأمر في موضوع الخمس و صفو المال و غيرهما.

 [في احتمال أن لا تكون هذه الأموال ملكا لأحد و الاستدلال له‏]

و في قبال هذا المعنی الّذي هو مفاد الأدلّة المتعدّدة احتمال أن تكون هذه الأموال أموالا حكومية دولية و لم يعتبر ملكيتها الاعتبارية العقلائية لا للّه تعالی‏

                       

و لا لوليّ أمر الامّة المنصوب من قبله لإدارة امورهم و إنّما اعتبر فيها أولوية التصرّف فيها للّه تعالی و لوليّ الأمر الّذي هو وليّ الأمر علی الامّة من عنده، أو احتمال أنّ هذه الأموال قد اعتبرت ملكيّتها الاعتبارية لحيثية الإمامة و الحكومة بكونها حيثية تقييدية و لم يعتبر ملكا شخصيا للرسول و لا للإمام.

و هذان الاحتمالان ذكر أوّلهما و اختاره سيّدنا الاستاذ الإمام الخميني قدس سرّه و ثانيهما تلميذه الآية الشيخ المنتظري ناقلا له عن أحد الأعلام في كتابه ذخائر الامّة و اختاره هو أيضا. و قد ذكر كلّ منهما لمختاره وجوها لا بدّ من ذكرها و تحقيق الحقّ فيها و في المقام.

أمّا ما اختاره سيّدنا الاستاذ قدّس سرّه فيمكن الاستدلال له بوجهين:

أحدهما: ما يستفاد من كلماته في كتاب البيع من أنّ وحدة السياق في آية وجوب الخمس و آية الأنفال أنّ الاختصاص الثابت للّه تعالی و للرسول و لذي القربی بالنسبة لخمس الغنائم و للأنفال واحد، فإنّ الظاهر من اللام المذكورة في آية الخمس علی كلّ من الثلاثة معنی واحد و هذه الوحدة في آية الأنفال أظهر، لوحدة لفظة اللام فيها بقوله تعالی: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ «1». و حينئذ فما اريد منه في اللّه تعالی اريد نفسه بالنسبة للرسول و للإمام، و المحتمل بدوا في معنی اللام أحد امور ثلاثة: إمّا الملكية الاعتبارية، و إمّا الملكية التكوينية، و إمّا الأولوية بالتصرّف. أمّا الملكية الاعتبارية فلا يصحّ عند العقلاء اعتبارها للّه تعالی ضرورة عدم اعتبار العقلاء الملكية بهذا المعنی له تعالی بحيث لو وكّل رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله ببيعه خرج عن ملكه و دخل ثمنه فيه. و أمّا الملكية التكوينية فلا صحّة لها في مثل الآيتين اللتين في مقام بيان الحكم الفقهي، فإنّ آية الخمس عدّت خمس ما غنم له و للرسول و ... و معناه أنّ أربعة أخماسه لمن غنمه، و من الواضح أن لا مجال لهذا التفصيل في ملكيته التكوينية كما أنّ آية الأنفال في مقام‏

                       

جواب الردّ لسؤالهم عن الأنفال و ملكيته التكوينية ليست ردّا لهم، و بالجملة:

فإرادة الملكية التكوينية أيضا غير صحيحة. و أمّا أولوية التصرّف فلا بأس بإرادتها فيراد من اللام في الآيتين بالنسبة إلی اللّه تعالی أنّه تعالی أولی بالتصرّف في الخمس أو الأنفال من كلّ أحد.

فإذا اريد منها الأولوية في اللّه تعالی فلا بدّ من إرادتها في الرسول و الإمام ضرورة أنّ حملها فيها علی الملكية الاعتبارية موجب للتفكيك و هو خلاف الظاهر جدّا.

و زاد عليه: أنّ إرادة الملكية الاعتبارية في وليّ الأمر يلزمها أن تكون تلك الأموال موروثة للورثة بعد موت وليّ الأمر كسائر أمواله الشخصية مع أنّه لا ريب في أنّ هذه الأموال لا تورث بل تنتقل إلی وليّ الأمر و الإمام الّذي بعده كما ورد في رواية أبي عليّ ابن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث عليه السّلام: إنّا نؤتي بالشي‏ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر عليه السّلام عندنا فكيف نصنع؟ فقال: ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث علی كتاب اللّه و سنّة نبيّه «1». و عليه فاحتمال ملكيّتهم ملكا شخصيّا باطل جدّا.

قال قدّس سرّه: فالحقّ أنّ اللّه تعالی وليّ علی هذه الأموال أصالة و حقّا و الرسول صلّی اللّه عليه و آله وليّ من قبله و بعد رسول اللّه يكون الإمام وليّا «2». هذا حاصل كلامه قدّس سرّه مع توضيح منّا و اختصار.

 [تزييف هذا الاحتمال‏]

أقول: و يرد عليه (أوّلا) أنّ الأولوية الثابتة للرسول أو الإمام إنّما هي بمعنی أنّ إليهم حقّ التصرّف في هذه الأموال يضعها حيث شاء- كما ورد في كثير من الأخبار الّتي مرّ بعضها و سيأتي إن شاء اللّه تعالی بعضها الآخر- و هذا المعنی من الأولوية أيضا مثل الملكية الاعتبارية لا يعقل اعتبارها للّه تعالی لمثل ما أفاده قدّس سرّه‏

                       

في الملكية ضرورة أنّه لا معنی لأن يوكّل اللّه تعالی رسوله بأن يبيع المال الّذي له تعالی أولوية التصرّف فيه فيخرج عن أولوية تصرّفه فيه و يحبس ثمنه مكانه، بل نزيد عليه بأنّه تعالی لا يباشر التصرّف في شي‏ء من هذه الأموال، و معنی ولاية وليّ الأمر فيها أنّه أولی بأن يباشر التصرّف فيها، فهذا المعنی من الأولوية لا مجال لتصوّره في اللّه تعالی، فلا محالة يلزم التفكيك في المراد من معنی اللام و هو خلاف الظاهر جدّا لا سيّما في آية الأنفال الّتي فيها لام واحد. فما اختاره قدّس سرّه مشترك في لزوم التفكيك مع القول بالملكية.

و (ثانيا) أنّ حلّ معضل لزوم التفكيك- علی أيّ حال- إنّما هو بأن يقال:

إنّ اللّه تعالی إنّما ذكر في الآيتين بغاية تشريف أمر الرسول و وليّ الأمر و انّهما إنّما يكون لهم حقّ الاختصاص المذكور تفضّلا من اللّه تعالی و إعطاء منه لهما بلحاظ أنّ وليّ الأمر علی الامّة إنّما جعل وليّ أمر بأمر اللّه تعالی و نصبه و أنّه لا يفعل إلّا ما يريد اللّه تعالی منه.

و حينئذ فذكر اللّه تبارك و تعالی لا يوجب إعضالا أصلا، و العمدة هو الأخذ بما يقتضيه ظهور الأدلّة أو تنصيصها، و لمّا كان ظاهرها- كما مرّت الإشارة إليه- أنّ وليّ الأمر مالك لهذه الأموال فالأخذ به لازم من دون محذور أصلا.

و أمّا ما زاد عليه: من أن إرادة الملكية الشخصية تستلزم أن تكون تلك الأموال بعد موت وليّ الأمر موروثة بين جميع ورثته كما في سائر أمواله الشخصية و هو خلاف النصّ و الفتوی.

فالجواب عنه: أنّ الاستلزام المذكور عبارة اخری عن ذكر مقتضی عمومات أدلّة الإرث و إطلاقاتها إلّا أنّ هذه الأدلّة أيضا مثل سائر العمومات و الإطلاقات قابلة للتخصيص و التقييد بمثل النصّ المذكور و الفتوی المسلّمة. مضافا إلی إمكان أن يقال بانصراف تلك العمومات و الإطلاقات عن الشمول لهذه الأموال الّتي و إن كانت ملكا لشخص وليّ الأمر إلّا انها إنّما جعلت ملكا له بما أنّه إمام و وليّ أمر

                       

لأن تكون يده واسعة لإدارة أمر الامّة، فمثل أموال كذائية مقتضی الاعتبار العقلائي فيها أن تقع تحت يد وليّ الأمر في كلّ زمان لأن يكون هو أيضا واسع اليد. و كيف كان فهذا الإيراد أيضا غير متين.

 [توجيه آخر لهذا الاحتمال‏]

و ثانيهما: ربّما يستفاد من كلامه قدّس سرّه فيما أفاده بالنسبة لسهم السادة من الخمس و بيانه بتوضيح منّا: أنّه قد روی في الوسائل عن السيّد المرتضی في رسالة المحكم و المتشابه- نقلا عن التفسير النعماني بإسناده المذكور في خاتمة الوسائل عن عليّ عليه السّلام- أنّه قال: و أمّا ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق و أسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه الإمارة، و وجه العمارة، و وجه الإجارة، و وجه التجارة، و وجه الصدقات. فأمّا وجه الإمارة فقوله:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبی‏ وَ الْيَتامی‏ وَ الْمَساكِينِ «1» فجعل للّه خمس الغنائم، و الخمس يخرج من أربعة وجوه- فذكر ما فيه الخمس و تقسيمه و أنّ الرسول أو الإمام يعطي الأصناف الثلاثة قدر كفايتهم فقال:- فهو يعطيهم علی قدر كفايتهم، فإن فضل شي‏ء فهو له، و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمّه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان ثمّ إنّ للقائم بامور المسلمين بعد ذلك الأنفال الّتي كانت لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، قال اللّه عزّ و جلّ:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ 2 و إنّما سألوا الأنفال ليأخذوها لأنفسهم فأجابهم اللّه بما تقدّم ذكره الحديث «3».

فالمستفاد من الحديث أنّ الخمس و كذلك الأنفال بقرينة عطفها علی الخمس وجه الإمارة و الولاية أمرهما بيد وليّ الأمر لسدّ نوائبه من جميع احتياجات‏

                       

الدولة الإسلامية، فكونهما وجه الإمارة يقتضي أن يكون وضعهما لمجرّد سدّ نوائب الولاية و لذلك قال في سهم السادة: «فهو يعطيهم علی قدر كفايتهم، فإن فضل شي‏ء فهو له، و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمّه لهم من عنده كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان. و بالجملة: فالحديث دليل علی أنّ الخمس و الأنفال وجه الولاية و لا يدخلان في ملك وليّ الأمر بل بهما يسدّ نوائب الحكومة و الولاية، هذا بالنسبة لهذين النوعين من الأموال و يلحق بهما سائر ما جعل تحت زعامة وليّ الأمر من الأموال «1».

هذا غاية توجيه الوجه الثاني المستفاد من كلامه بتقرير منّا.

 [تزييف هذا الاحتمال‏]

أقول: و هذا الوجه أيضا مخدوش: أمّا (أوّلا) فلأنّ سند الحديث المذكور في آخر الفائدة الثانية من الوسائل هكذا: «محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي عن إسماعيل بن مهران عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة عن أبيه عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ... و ذكر الحديث عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام» «2».

و هذا السند بعينه مذكور في كتاب بحار الأنوار عند نقل كتاب تفسير النعماني في باب ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام ... برواية النعماني قال: و هي رسالة مفردة مدوّنة كثيرة الفوائد نذكرها من فاتحتها إلی خاتمتها»

.

و أكثر رجال السند و إن كانوا ثقات إلّا أنّ أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي مجهول، و الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ضعيف، و في أبيه أيضا كلام لا يخفی علی من راجع كتب الرجال، فالحديث غير معتبر السند.

و أمّا (ثانيا) فلأنّ مجرّد إضافة «وجه» إلی الإمارة لا دليل فيه علی أنّ هذه‏

                       

الأموال لا تكون ملكا لأحد بل هي أموال في يد وليّ الأمر لمجرّد سدّ نوائب الحكومة، بل يحتمل أن يكون سرّ الإضافة أنّ منشأ تحقّق هذه الأموال و وقوعها بيد وليّ الأمر إنّما هي الولاية، و أمّا بعد ما تحقّقت و وقعت تحت يده فلا مانع من أن تكون ملكا له كما أنّ الأمر كذلك في وجه العمارة و الإجارة و التجارة، فكما أنّ كلّا من هذه الامور الثلاثة يوجب ملكية العامر و المؤجر و التاجر فهكذا الولاية توجب ملكية القائم بامور المسلمين الّذي هو وليّ أمرهم لهذه الأموال الّتي تقع بيده.

ففي نفس الحديث: «و أمّا وجه العمارة فقوله تعالی: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها «1» فأعلمنا سبحانه أنّه قد أمرهم بالعمارة ليكون ذلك سببا لمعايشهم بما يخرج من الأرض من الحبّ و الثمرات و ما شاكل ذلك ممّا جعله اللّه معايش للخلق. و أمّا وجه التجارة فقوله تعالی: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلی‏ أَجَلٍ مُسَمًّی فَاكْتُبُوهُ ... «2» إلی آخر الآية فعرّفهم كيف يشترون المتاع في السفر و الحضر و كيف يسخرون إذا [يتّجرون إذ- نسخة البحار] كان ذلك من أسباب المعايش. و أمّا وجه الإجارة فقوله عزّ و جلّ: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «3» فأخبرنا سبحانه أنّ الإجارة أحد معايش الخلق، إذ خالف بحكمته بين هممهم و إرادتهم و سائر حالاتهم و جعل ذلك قواما لمعايش الخلق و هو الرجل يستأجر الرجل في ضيعته و أعماله و أحكامه و تصرّفاته و أملاكه ... و أمّا وجه الصدقات فإنّما هي لأقوام ليس لهم في الإمارة نصيب و لا في العمارة حظّ و لا في التجارة مال و لا في الإجارة معرفة و قدرة، ففرض اللّه في أموال الأغنياء ما يقوتهم و يقوم به أودهم ... الحديث «4».

                       

فالناظر بالتأمّل في فقرات الحديث يفهم منها بوضوح أنّ الإمام عليه السّلام في مقام عدّ أسباب ما به عيش الخلق ممّا يوجب تحقّق مال في يد أحد و ليس بصدد نفي حدوث الملك لما يقع في أيديهم عنهم، فلا دلالة فيه علی نفي ملك وليّ الأمر عمّا يقع تحت يده، بل إنّ وحدة السياق تقتضي حصول الملك له أيضا مضافا إلی ما أشرنا إليه و يأتي من قيام أدلّة كثيرة علی ملكية وليّ الأمر.

فتحصّل: أنّ ما ذكر من الوجهين غير تامّ و اللازم الأخذ بمقتضی الأدلّة الّتي هي واضحة الدلالة علی الملكية.

و أمّا الاحتمال الثاني فقد اختاره بعض الأعاظم في كتاب خمسه و هو قد سلّم أنّ هذه الأموال مثل الخمس و الأنفال بحسب الشرع اعتبرت ملكا إلّا أنّ مالكها ليس شخص الرسول و الإمام بل هي أموال عمومية و ملك لحيثية الإمامة و الحكومة، و هذه الحيثية ليست حيثيّة تعليلية حتّی يكون المالك شخص وليّ الأمر و تكون الإمامة و الولاية علّة لمالكيّته فتكون أموالا له شخصية كسائر أمواله بل هذه الحيثية حيثية تقييدية، و بما انها منطبقة علی وليّ الأمر فتكون ملكا له لا بما أنّه شخص كسائر الأشخاص بل بما أنّه امام، و لذا عدّ الأنفال أموالا زائدة علی الأموال الشخصية و قال: إنّها أموال عمومية باقية علی الاشتراك، و أخيرا قال: و كيف كان فالأنفال للّه تعالی بالذات و لرسوله بجعلها له و للإمام بعده لا لشخصه بل لمقامه، فليست الإمامة حيثية تعليلية لتملك شخص الإمام بل حيثية تقييدية فالملك لنفس مقام الإمامة نظير ما هو المعمول من عدّ الأموال العمومية ملكا للدولة و الحكومة، فالملك للإمام بما هو إمام و يصرفه في مصالح الإمامة و الامّة و إدارة شئونهم و ليس ملكا شخصيا له عليه السّلام «1».

و قد تكرّر منه التعرّض لهذه المسألة في مواضع متعدّدة من كتاب الخمس‏

                       

فتعرّض له في أوائل الكتاب عند شرح قول الماتن: «و قد جعلها اللّه تعالی لمحمّد صلّی اللّه عليه و آله» «1». و تعرّض له أيضا عند البحث عن تعلّق الخمس بالمعادن ذيل المسألة 8 و قوّی أنّ المعادن من الأنفال «2» و تعرّض له أيضا و نقله عن كتاب ذخائر الامّة عند البحث عن قسمة الخمس ذيل المسألة الاولی من هذا الفصل «3» و تعرّض له أخيرا في فصل الأنفال أيضا «4»، و لا منافاة بين كلماته في الموارد بل محصّلها ما نقلناه.

أقول: فهو و إن عبّر كرارا بأنّ هذه الأموال ملك للحكومة أو الإمامة أو الإمارة و بأنّ هذه العناوين حيثيّات تقييدية إلّا أنّ تصريحه بأنّ هذه العناوين منطبقة علی الرسول و الأئمّة و بأنّ الملك للإمام بما هو إمام دليل علی أنّ مراده أنّ المالك لها هو الإمام بما أنّه إمام و إلّا فنفس العناوين المذكورة مبدأ لو صف الحاكم و الإمام و الأمير، و واضح أنّ مبدأ الأوصاف سواء كان المصدر أو اسم المصدر مباين للموصوف و هو بلا ريب بشرط لا بالنسبة للذات، فالمالك هو الإمام لا بما أنّه شخص بل بما أنّه إمام.

فبناء علی هذا التحليل فلا يبعد أن ندّعي أنّه أيضا قائل بنفس ما استظهرناه من الأدلّة، فإنّه يعترف بأنّ هذه الأموال أملاك إلّا أنّه يأبی أن يكون مالكها الأشخاص و إن كان الشخص شخص الإمام و الرسول بل هي أملاك للإمام أو الرسول بما أنّه إمام و وليّ أمر، فلا يزيد علی ما نقول شيئا إلّا جعل حيثية الإمامة تقييدية حتّی لا تكون ملكا للشخص و هي ليست زيادة بل الحقّ أنّ الأمر كذلك عندنا أيضا إلّا أنّه مع ذلك فبعض أدلّته غير منطبق علی هذا المعنی، فلنلاحظ الأدلّة:

1- فمن هذه الأدلّة هو خبر أبي عليّ ابن راشد الماضي ذكره حيث عبّر الإمام عليه السّلام بقوله: «ما كان لأبي عليه السّلام بسبب الإمامة فهو لي» فقوله عليه السّلام: «بسبب الإمامة» دليل علی أنّ حيثيّة الإمامة دخيل في هذه الملكية و ليست الأموال ملكا

                       

له بما أنّه شخص «1»، و هذه الدلالة واضحة.

2- و منها صدر رواية المحكم و المتشابه عن تفسير النعماني الماضي ذكرها «2» بعناية أنّه عليه السّلام عدّ الخمس وجه الإمارة، فتدلّ علی أنّ الإمارة حيثية تقييدية معتبرة في المالك له «3».

لكن قد مرّ منّا إنكاره بدليل أنّه قد ذكر في الرواية وجه العمارة و التجارة و الإجارة، و من المعلوم أنّ الأموال في الموارد الثلاثة أموال شخصية فلا محالة هكذا الإمارة. مضافا إلی أنّ سند الرواية غير معتبر كما عرفت.

3- و منها ما في الرواية المذكورة أيضا، فإنّها بعد ما ذكرت الخمس و أنّ نصفه للإمام قال: «ثمّ إنّ للقائم بامور المسلمين بعد ذلك الأنفال الّتي كانت لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله ...» فجعل فيها الأنفال للقائم بامور المسلمين، و ظاهره كونه له بما أنّه قائم بامورهم فهي ملك لمنصب الإمامة «4»، يعني للإمام بما أنّه إمام. و الدلالة كما أفاد تامّة و أنّ في السند ضعف كما مرّ.

4- و منها ما ذكره بقوله: «إنّ الأنفال في اعتبار العرف و العقلاء في جميع الأعصار و الأمصار أملاك عمومية تتعلّق بالعموم و تصرف في المصالح العمومية، فالظاهر تنفيذ شريعة الإسلام لما يعتبره العرف و العقلاء قديما و حديثا مع جعل زمام اختيارها بيد الإمام المعصوم العادل الّذي لا يؤثر أحدا بلا وجه و لو كان من أخصّ خواصّه» «5».

أقول: و هذا هو الدليل من أدلّته الّذي قلنا إنّه غير منطبق علی ما مرّ من المدّعی، فإنّ مقتضاه أن لا يكون الإمام مالكا للأنفال و لو بما أنّه إمام فإنّ ما عند العقلاء كذلك كما ذكره مع أنّه صرّح كرارا بأنّ الإمام بما أنّه إمام مالك للأنفال‏

                       

و الخمس و نحوهما، و قد مرّ أنّه مقتضی أدلّة الشريعة و أنّ ملكية الإمام و الوليّ لعمدة من الأموال العمومية هي الفارق بين ما عند العقلاء و عند شارع الإسلام، و الدليل عليه هو الأدلّة المتعدّدة الكثيرة الدالّة علی انها ملك للرسول و الإمام، و ثلاثة من هذه الأدلّة هي الأخبار الثلاثة الماضية آنفا.

هذه هي الوجوه المذكورة في كلامه، و يمكن الاستدلال له أيضا تارة بالاستناد إلی الأدلّة الّتي وردت في أنّ هذه الأموال لهم عليهم السّلام فإنّ جلّها واردة علی عنوان الرسول و الإمام أو الوالي، فمثلا صحيحة حفص بن البختري الواردة في الأنفال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام هكذا: «قال عليه السّلام: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، و كلّ أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» «1». و مثلها خبر حمّاد ابن عيسی الوارد في صفو المال و الخمس و الأنفال بل فيه قوله عليه السّلام: «الأنفال الی الوالي». و صحيحة محمّد بن مسلم و غيرها 2. و صحيحة معاوية بن وهب الواردة في الخمس و الغنيمة الحربية الّتي لم يكن العثور عليها بالمقاتلة هكذا: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف يقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسّم بينهم أربعة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» «3». فجعلت الخمس للرسول و الغنيمة للإمام.

و في صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر الواردة في الخمس عن الرضا عليه السّلام قال: سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبی‏ «4» فقيل له: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال: لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله،

                       

و ما كان لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فهو للإمام، فقيل له: أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر و صنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: ذاك إلی الإمام، أ رأيت رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله كيف يصنع؟ أ ليس إنّما كان يعطي علی ما يری؟ فكذلك الإمام» «1». إلی غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في الأموال الّتي لوليّ الأمر، و سيأتي إن شاء اللّه تعالی.

فقد جعل عنوان المالك فيها الرسول أو الإمام أو الوالي، و العقلاء يفهمون منها أنّ هذه العناوين حيثيّات دخيلة في ترتيب حكم الملكية و نتيجته انّ الملكية إنّما هي للإمام بما أنّه إمام كما هو المطلوب.

و يمكن الاستدلال أيضا بما في ذيل خبر حمّاد بن عيسی عن العبد الصالح عليه السّلام ففيه: و ليس في مال الخمس زكاة، لأنّ فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس علی ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد، و جعل للفقراء قرابة الرسول صلّی اللّه عليه و آله نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس و صدقات النبيّ صلّی اللّه عليه و آله و وليّ الأمر، فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله إلّا و قد استغنی، فلا فقير، و لذا لم يكن علی مال النبيّ صلّی اللّه عليه و آله و الوالي زكاة لأنه لم يبق فقير محتاج «2».

فقد عبّر عن مال الخمس الّذي للرسول و الوالي بمال النبيّ و الوالي، فيدلّ علی أمرين: كون الخمس من أموالهم، و كون المالك هو النبيّ و الوالي الظاهر في أنّ الولاية حيثية معتبرة في المالك و هو المطلوب.

ثمّ قال بعد بيان أنّ المالك هو الإمام بما أنّه إمام قال: و يتفرّع علی ما ذكرنا أنّ ما أخذه الإمام عليه السّلام بحقّ الإمامة من الخمس و الأنفال ينتقل إلی الإمام بعده لا إلی وارثه كما صرّح بذلك في الرواية السابقة- يعني رواية أبي عليّ ابن راشد- خلافا لما في الشرائع و الجواهر، فراجع «3».

                       

أقول: و ممّا ذكرنا ذيل كلمات السيّد الإمام قدّس سرّه أنّ تفرّعه علی هذه المقالة إنّما هو بناء علی شمول أدلّة الإرث لجميع الأموال الشخصية حتی ما كان الهدف المشروع الخاصّ به هو الأهداف العمومية، و إلّا فلو انصرفت هذه الأدلّة عن مثل هذه الأموال لما تمّ هذا التفرّع لعدم دخولها تحت أدلّة الإرث حتّی لو كانت أموالا شخصية، هذا مع أنّ هذا التفرّع لو سلّم فهو عبارة اخری عن اقتضاء إطلاق أدلّة الإرث، و إلّا فالفتوی و النصّ المعمول به يوجبان تقييد تلك المطلقات، فتذكّر.

إذا عرفت هذين الأمرين فنبحث أوّلا عن الأموال الّتي تكون ملكا لوليّ الأمر، و هي عديدة نبحث ابتداء عمّا ليس متفرّعا علی وقوع عمل من المسلمين عموما أو من الأشخاص و نتبعه بغيره، فلذلك تقدّم البحث عن الأنفال فنقول:

                       

 [البحث الأول الأموال التي تكون ملكا لولي الأمر]

الأوّل من هذه الأموال الأنفال‏

و الأنفال جمع نفل- بسكون الفاء و فتحها- و هو لغة كما عن القاموس: الغنيمة و الهبة، و عن الصحاح: الغنيمة، و عن الأزهري: النفل ما كان زيادة علی الأصل سميّت الغنائم بذلك لأنّ المسلمين فضّلوا بها علی سائر الامم.

و المراد بها في الفقه أموال خاصّة مختصّة بوليّ الأمر و لعلّ سرّ إطلاق النفل عليها انها أموال زائدة تدخل في ملك وليّ الأمر زائدة علی ما تدخل عادة في ملك سائر الناس.

و مقتضی النصّ و الفتوی انها ملك لوليّ أمر الامّة- أعني الرسول و الأئمّة- ففي الجواهر: لا كلام في كون الأنفال ملكا للنبيّ صلّی اللّه عليه و آله كما يدلّ عليه الكتاب و السنّة و الإجماع ثمّ من بعده للقائم مقامه «1». و لا يبعد أن يكون مدرك الإجماع هو الكتاب و السنّة فاللازم الرجوع إليهما.

و كيف كان، فالبحث عن الأنفال لا بدّ و أن يقع في مرحلتين: تارة في كون الأنفال ملكا لوليّ الأمر، و اخری في المراد بالأنفال.

                       

الأولی: كون الأنفال ملكا لوليّ الأمر و يدلّ عليه الكتاب و السنّة:

أمّا الكتاب:

1- فقد قال اللّه تعالی: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ «1».

في مجمع البيان و عن جوامع الجامع أنّ عليّ بن الحسين زين العابدين و محمّد بن عليّ الباقر و جعفر بن محمّد الصادق عليهم السّلام قرأوا: يسئلونك الأنفال فبناء علی محذوفية «عن» ظاهر الآية أنّ السائلين قد سألوا عن النبيّ و طلبوا منه كلّ الأنفال فكان جواب هذا السؤال الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ و ظاهره أنّ الأنفال مختصّة باللّه و الرسول فلا مجال لطلبهم أن يعطوها. و علی قراءة عَنِ الْأَنْفالِ فربما ليس الخصوصية المسؤول عنها في الأنفال غير واضحة إلّا أنّ جواب هذا السؤال أنّ الأنفال للّه و الرسول. فالحاصل: أنّ جملة الجواب ظاهرة في اختصاص الأنفال باللّه و الرسول، و الاختصاص حيث إنّه مطلق فهو عبارة اخری عن الملكية.

و الظاهر أنّ ذكر لفظة «اللّه» إنّما هو تكريم للأمر و تشريف للرسول و تأكيد لرسالته و خلافته، و لهذا فالظاهر من الآية المباركة أنّ الأنفال قد جعلت من اللّه تعالی ملكا للرسول، فظاهر الآية المباركة ملكية الرسول للأنفال كلّها. و الأخبار الكثيرة الناظرة إلی الآية الشريفة شاهدة علی إرادة هذا المعنی و ستأتي إن شاء اللّه تعالی.

2- و يمكن أن يستدلّ لذلك من الكتاب بقوله تعالی في سورة الحشر: وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلی‏ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلی‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ «2».

فإنّ الضمير المجرور ب «من» في قوله تعالی: مِنْهُمْ ظاهره أنّه يرجع إلی أهل الكتاب المذكورين في صدر السورة و هم الّذين جلوا عن ديارهم و تركوا

                       

مدينة الرسول من اليهود، و لا مجالة تختصّ الآية المباركة بخصوص ما جلا عنها أهلها من أهل الكتاب هؤلاء، إلّا أنّه لا يبعد أن يستظهر من صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ المراد به مطلق الأنفال، قال محمّد بن مسلم: سمعته يقول: الفي‏ء و الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء و قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهو كلّه من الفي‏ء، فهذا للّه و لرسوله، فما كان للّه فهو لرسوله يضعه حيث شاء، و هو للإمام بعد الرسول، و أمّا قوله: وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ قال:

ألا تری؟ هو هذا، و أمّا قوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی‏ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری‏ «1» فهذا بمنزلة المغنم، كان أبي يقول ذلك، و ليس لنا فيه غير سهمين: سهم الرسول، و سهم القربی، ثمّ نحن شركاء الناس فيما بقي «2». فظاهر صدرها اتّحاد معنی الفي‏ء و الأنفال، و بعد تفسيرهما و حكمه بانهما للّه و الرسول و مآلا بكونهما ملكا للرسول ثمّ للإمام صرّح بأنّ المراد بما أفاء اللّه في الآية هو نفس الفي‏ء المتحد في المعنی مع الأنفال.

و مثل هذه الصحيحة ذيل رواية محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ففيها: و قال عليه السّلام: وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلی‏ مَنْ يَشاءُ و قال: الفي‏ء ما كان من أموال لم يكن فيها هراقة دم أو قتل، و الأنفال مثل ذلك هو بمنزلته 3. و دلالتها واضحة إلّا أنّ في السند أبا جميلة و هو ضعيف.

3- و قد ورد في رواية النعماني الّتي رواها عنه السيّد المرتضی في رسالة المحكم و المتشابه عن أمير المؤمنين عليه السّلام: و له- يعني للإمام- نصيب آخر من الفي‏ء، و الفي‏ء يقسّم قسمين: فمنه ما هو خاصّ للإمام، و هو قول اللّه عزّ و جلّ في سورة الحشر: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی‏ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری‏ فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبی‏

                       

وَ الْيَتامی‏ وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ و هي البلاد الّتي لا يوجف عليها بخيل و لا ركاب» ... «1». فتفسير الفي‏ء المذكور في الآية بالبلاد المذكورة مع تسلّم الأخبار- كما ستأتي إن شاء اللّه تعالی- علی أنّ ما لا يوجف عليه بخيل و لا ركاب من الأنفال يقتضي إرادة هذه الآية أيضا لهذا المعنی كما صرّح في الرواية أوّلا بقوله:

 «فمنه ما هو خاصّ للإمام» فهذه الآية أيضا بتفسير هذه الرواية من آيات الأنفال.

إلّا أنّ سند الرواية كما مرّ غير معتبر، مضافا إلی انها معارضة لصحيحة محمّد ابن مسلم الّتي مرّت ذيل الآية الثانية، فإنّها صرّحت بأنّ هذه الآية الثالثة بمنزلة المغنم، «كان أبي يقول ذلك، و ليس لنا فيه غير سهمين ثمّ نحن شركاء الناس في ما بقي» و التقدّم السندي يقتضي عدم اعتبار رواية تفسير النعماني.

فتحصّل: أنّ الآية الاولی من سورة الأنفال و الآية السادسة من الحشر بتفسير الأخبار دالّتان علی الأنفال للرسول، و ذكر الرسول خاصّة فيهما لا ينافي أن تكون بعده للإمام كما يأتي إن شاء اللّه في الأخبار. هذا حال الآيات.

و أمّا السنّة فالأخبار الواردة علی عنوان الأنفال‏

و تعيين من هي له أنواع ثلاثة:

 (أحدها) ما يكون بلسان الكتاب الشريف دالّا علی أنها للرسول صلّی اللّه عليه و آله، و هي روايات متعدّدة:

1- منها موثّق زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: ما يقول اللّه يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ «2»؟ قال: الأنفال للّه و للرسول صلّی اللّه عليه و آله؛ و هي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل و لا ركاب، فهي نفل للّه و للرسول 3. فالموثّق كما تری قد تعرّض للآية الشريفة و حكم بأنّ الأنفال للّه و الرسول كالآية المباركة.

                       

2- و منها موثّق محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سمعه يقول: إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم و ما (فما- خ) كان من أرض خربة أو بطون أودية، فهذا كلّه من الفي‏ء و الأنفال، للّه و للرسول فما كان للّه فهو للرسول يضعه حيث يحبّ «1». و هو أيضا يدلّ علی أنّ الأنفال للّه و للرسول من غير تعرّض للآية، و علی أنّ ما كان للّه تعالی فهو للرسول يفعل فيها و يضعها حيث يحبّ.

3- و منها موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال، فقال: هي القری الّتي قد خربت و انجلی أهلها، فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من الأرض بخربة [من أرض الجزية- خ تفسير القمّي‏] لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و كلّ أرض لا ربّ لها و المعادن منها، و من مات و ليس له مولی فماله من الأنفال 2.

فصدر الموثّقة قد حكم بأنّ الأنفال للّه و للرسول، و فسّر الأنفال بالقری الّتي قد خربت و انجلی عنها أهلها إلّا أنّ ذيلها قد زاد عليه بأنّ مال من لا مولی له إذا مات من الأنفال. و سيأتي إن شاء اللّه تعالی الكلام في تفسيرها.

4- و منها موثّق عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الغنيمة، قال: يخرج منه الخمس و يقسّم ما بقي بين من قاتل عليه و ولي ذلك، و أمّا الفي‏ء و الأنفال فهو خالص لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله «3». و دلالتها واضحة.

5- و منها ما أرسله العيّاشي في تفسيره عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الأنفال: قال: هي القری الّتي قد جلا أهلها و هلكوا، فهي للّه و للرسول صلّی اللّه عليه و آله «4». و دلالتها واضحة مثل صدر موثّق إسحاق.

                       

فهذه الأخبار متّحدة المضمون مع آية الأنفال، قد دلّت علی أنّ الأنفال كلّها للّه و الرسول.

 (النوع الثاني) من السنّة ما يدلّ علی أنّ الأنفال للرسول و للإمام بعده و هي أيضا روايات متعدّدة.

1- فمنها صحيحة حفص بن البختري الّتي مرّت بألفاظها أوائل البحث عن الأمر الثاني الّذي قدّمناه مقدّمة للمقام الثاني و بعده «1».

2- و منها موثّق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: الفي‏ء و الأنفال ... الحديث، و قد نقلناه بتمامه ذيل آية سورة الحشر»

. و دلالتهما واضحة.

3- و منها خبر محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الأنفال فقال: ما كان من الأرضين باد أهلها و في غير ذلك الأنفال هو لنا، و قال: سورة الأنفال فيها جدع الأنف، و قال: وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلی‏ مَنْ يَشاءُ. و قال: الفي‏ء ما كان من أموال لم يكن فيها هراقة دم أو قتل، و الأنفال مثل ذلك هو بمنزلته «3».

فصدر الخبر و إن كان ظاهرا في أنّ الأنفال للأئمّة عليهم السّلام بناء علی أنّ ضمير المتكلّم ظاهر فيهم إلّا أنّ ذكر آية الفي‏ء- الظاهرة في أنّه لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله ثمّ التصريح بأنّ الأنفال أيضا بمنزلته- دليل علی أنّ الأنفال للرسول و للإمام كما مرّ في الأوّلين، إلّا أنّ سند خبر الحلبي ضعيف بأبي جميلة.

4- و منها ما في تفسير النعماني عن عليّ عليه السّلام- علی ما حكاه عنه السيّد المرتضی في رسالة المحكم و المتشابه-: إنّ للقائم بامور المسلمين بعد ذلك الأنفال الّتي كانت لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، قال اللّه عزّ و جلّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ و إنّما سألوا الأنفال ليأخذوها لأنفسهم، فأجابهم اللّه بما

                       

تقدّم ذكره ... فما كان للّه و لرسوله فهو للإمام «1». و هو واضح الدلالة في أنّ الأنفال للرسول ثمّ بعده للإمام القائم بامور المسلمين، إلّا أنّ سنده ضعيف كما مرّ.

5- و منها ما أرسله المفيد عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الأنفال هو النفل، و في سورة الأنفال جدع الأنف، قال: و سألته عن الأنفال، فقال: كلّ أرض خربة أو شي‏ء كان يكون للملوك و بطون الأودية و رءوس الجبال و ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فكلّ ذلك للإمام خالصا 2.

فإن كان الجميع رواية واحدة فصدرها بقرينة ذكر سورة الأنفال يدلّ علی أنّ الأنفال للرسول صلّی اللّه عليه و آله و ذيلها علی انها للإمام كالأخبار الماضية، و إن كان روايتين فالاولی من النوع الأوّل من الأخبار و الثانية من النوع الثالث الآتي.

6- و منها ما عن أحمد بن محمّد بن عيسی عن بعض أصحابنا رفع الحديث و فيه: قال: و ما كان من فتح لم يقاتل عليه و لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب إلّا أنّ أصحابنا يأتونه فيعاملون عليه فكيف ما عاملهم عليه؟ النصف أو الثلث أو الربع أو ما كان يسهم له خاصّة، و ليس لأحد فيه شي‏ء إلّا ما أعطاه هو منه، و بطون الأودية و رءوس الجبال و الموات كلّها هي له، و هو قوله تعالی: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ أن تعطيهم منه قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ و ليس هو يسألونك عن الأنفال، و ما كان من القری و ميراث من لا وارث له فهو له خاصّة، و هو قوله عزّ و جلّ: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی‏ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری‏ «3».

فظاهره أنّ الأنفال للرسول و الإمام، أمّا أنّه للرسول فبقرينة ذكر آية الأنفال، و أمّا أنّه للإمام أيضا فلرجوع ضمير «له» إليه كما يستفاد ممّا قبله فراجعه، إلّا أنّ الحديث مرفوع، بل ربما يحتمل أن لا يكون مرفوعا عن المعصوم عليه السّلام بلحاظ أنّ‏

                       

قوله: «إلّا أنّ أصحابنا يأتونه فيعاملون عليه ...» دليل علی أنّ قائله غير الإمام عليه السّلام و اللّه العالم.

فهذا النوع الثاني من الأخبار قد ذكر أنّ الأنفال للرسول و الإمام صلوات اللّه عليهما.

 (و النوع الثالث) من السنّة ما يدلّ علی أنّ الأنفال للإمام و هي أيضا روايات متعدّدة:

1- منها صحيحة أبي الصباح المروية في اصول الكافي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: نحن قوم فرض اللّه طاعتنا، لنا الأنفال و لنا صفو المال، و نحن الراسخون في العلم، و نحن المحسودون الّذين قال اللّه: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلی‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «1» «2». فبناء علی إرادة خصوص الأئمّة عليهم السّلام من ضمير الأئمّة تدلّ الصحيحة علی أنّ الأنفال ملك لهم، و إن اريد منه أعمّ من الأئمّة و الرسول كانت من أخبار النوع الثاني.

2- و منها ما في خبر حمّاد بن عيسی عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام: ... و له- يعني الإمام- بعد الخمس الأنفال، و الأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم علی غير قتال ... «3» و دلالته واضحة.

3- و منها مضمر سماعة بن مهران قال: سألته عن الأنفال فقال: كلّ أرض خربة أو شي‏ء يكون للملوك فهو خالص للإمام، و ليس للناس فيها سهم، قال: و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب «4». و إضماره لا يضرّ فإنّ مثل سماعة

                       

لا يسأل غير الإمام سيّما و انّ التخصيص بالإمام لا يناسب مذهب العامّة، و كيف كان فالحديث من أقوی الأحاديث في الدلالة علی الملك؛ فإنّ جملة «و ليس للناس فيها سهم» حيث إنّها بصدد نفي الحقّ عن غيره تؤكّد أنّ الملك خاص بالإمام عليه السّلام‏

4- و منها ما رواه الحارث بن المغيرة النصري قال: دخلت علی أبي جعفر عليه السّلام فإذا نجيّة قد استأذن عليه ... فقال: يا نجيّة سلني، فلا تسألني عن شي‏ء إلّا أخبرتك به، قال: جعلت فداك ما تقول في فلان و فلان؟ قال: يا نجيّة إنّ لنا الخمس في كتاب اللّه و لنا الأنفال و لنا صفو المال، و هما و اللّه أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب اللّه ... الحديث «1».

و ضمير المتكلّم ظاهر جدّا في إرادة خصوص الأئمّة عليهم السّلام، فإنّ الظلم منهما إنّما وقع عليهم، فدلالته علی اختصاص الأنفال بهم واضحة، إلّا أنّ في السند جعفر ابن محمّد بن حكيم و هو ضعيف.

5- و منها ما عن مقنعة الشيخ المفيد قدّس سرّه مرسلا عن الصادق عليه السّلام قال: نحن قوم فرض اللّه طاعتنا في القرآن، لنا الأنفال و لنا صفو المال ... «2». و هو في الدلالة مثل سابقه لكنّه مرسل.

6- و منها ما عن العيّاشي مرسلا عن حريز عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: سألته عن الأنفال فقال: كلّ أرض باد أهلها فذلك الأنفال فهو لنا «3». و دلالته كسابقه إلّا أنّه أيضا مرسل.

7- و منها ما عنه مرسلا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لنا الأنفال ... 4.

و هو مثل سابقه.

8- و منها ما عنه مرسلا عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير انهم قالوا له:

                       

ما حقّ الإمام في أموال الناس؟ قال: الفي‏ء و الأنفال و الخمس ... «1». و الحديث مرسل مضمر إلّا أنّ علوّ شأن المضمرين ربما يجبر هذا الضعف بل قد يقال رجوع الضمير الی أبي عبد اللّه عليه السّلام بقرينة أنه المروي عنه في الخبر السابق عليه، فراجع 2. و هو في الدلالة مثل ما سبق، بل هو صريح في الإمام.

هذه هي الروايات الواردة علی عنوان الأنفال، و الظاهر أنّه لا خلاف بينها، فإنّ كلّ إمام في زمان إمامته بعد الرسول صلّی اللّه عليه و آله قائم مقام الرسول، و في الحقيقة أنّ الأنفال للقائم بامور المسلمين كان هو الرسول أو الإمام المعصوم عليهم السّلام، و الطائفة الثانية من الأخبار تشهد لهذا المعنی، و الاختصاص بخصوص الأئمّة عليهم السّلام في النوع الثالث إنّما هو لانحصار المالك لها في زمنهم فيهم، فلا إشكال من هذه الجهة.

فالكتاب الكريم و هذه الروايات الكثيرة الّتي فيها معتبرات عديدة بل لا يبعد تواترها المعنوي تدلّ علی أنّ جميع الأنفال مختصّة بهم و ملك لهم، و ليس لأحد من الناس فيها حقّ، و يضعونها حيث شاءوا أو أحبّوا كما في عدّة منها.

و في قبال هذه الأخبار خبران آخران ربما يكون الظاهر منهما أنّ نصف الأنفال للنبيّ أو الإمام و نصفها الآخر للناس.

1- ففي رواية محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول و سئل عن الأنفال فقال: كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل للّه عزّ و جلّ، نصفها يقسّم بين الناس و نصفها لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، فما كان لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فهو للإمام «3».

فقد حكمت بأنّ الأنفال للّه عزّ و جلّ و هي تنقسم قسمين، فنصفها لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله و هذا النصف يكون بعده للإمام، و أمّا نصفها الآخر فهو للناس.

2- و في خبر حريز الّذي رواه العيّاشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته أو سئل عن الأنفال فقال: كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل، نصفها يقسّم‏

                       

بين الناس و نصفها للرسول صلّی اللّه عليه و آله «1». و هو قريب من سابقته.

و سند كليهما ضعيف لوقوع إسماعيل بن سهل في سند الاولی منهما و هو ضعيف، و لأنّ الثاني مرسل، فلا حجّة فيهما بنفسهما حتّی تصل النوبة إلی البحث عن تعارضهما للكتاب و الأخبار العديدة الماضية، و إن غضّ البصر عن ضعف سندهما فالشهرة الفتوائية و الروائية و موافقة الكتاب دليل علی طرحهما، و أمّا حملهما علی التقية كما ذكره صاحب الحدائق «2» فلا مجال له، فإنّ العامّة أيضا قائلون بأنّ الأنفال كلّها لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله، فعن بدائع الصنائع (ج 7 ص 116) ما نصّه: إنّ الفي‏ء- و يقصد به الأنفال في كلامهم- لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله خاصّة يتصرّف فيه كيف شاء، يختصّه لنفسه أو يفرّقه فيمن شاء، قال اللّه تعالی: وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ ... «3» فإذا كان العامّة أيضا قائلين بأنّ كلّ الأنفال مختصّة برسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله فلا يكون الحكم بالتنصيف بالنسبة إليه تقية.

و كيف ما كان، فالحجّة و المعتمد هي الأخبار العديدة الماضية الواردة علی عنوان الأنفال، و هي مؤيّدة بأخبار اخری عديدة قد وردت في بعض مصاديقها سيأتي ذكرها إن شاء اللّه تعالی.

فالكتاب الكريم و الأخبار العديدة المعتبرة قد دلّت علی أنّ الأنفال كلّها لرسول اللّه صلّی اللّه عليه و آله ثمّ بعده للإمام المعصوم القائم مقامه. و بعبارة اخری: إنّ الأنفال لوليّ أمر الامّة رسولا كان أو إماما محضا، و هذا هو المدّعی لنا في المرحلة الاولی.

المرحلة الثانية: في أنّ الأنفال ما هي؟

و المقصود بالبحث هنا عدّ الامور الّتي عدّت من الأنفال من دون تعرّض‏

                       

لأحكام مختلفة تعرض عليها، و نقدّم إن شاء اللّه تعالی ما كان منها غير متوقّف علی حدوث حادثة من شخص أو جمع، ثمّ نعقبه بما ليس كذلك، فنقول:

الأوّل منها كلّ أرض خربة:

و الخراب هو كون الأرض غير صالحة لأن ينتفع بها الانتفاع المطلوب من الأرض فلا يمكن زرعها لعدم كونها سهلا أو لكونها ذات أحجار أو لعدم وجود ماء تشربه أو نحو ذلك، و الظاهر شمولها لما كانت كذلك بالأصالة و لما عرض عليها الخراب، فإنّ الخربة ما كان لها هذا الوصف و إطلاقه شامل للقسمين.

و في الجواهر دعوی ظهور اتفاق الأصحاب عليه، و يدلّ علی انها من الأنفال أخبار عديدة:

أ- منها صحيحة حفص بن البختري الماضية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقد قال فيها: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب ... و كلّ أرض خربة و بطون الأودية ... «1». و دلالتها علی المطلوب واضحة حيث عدّت كلّ أرض خربة مصداقا خاصّا للأنفال قبال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و في عرض بطون الأودية.

ب- و منها موثّقة محمّد بن مسلم الماضية أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ففيها: إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم ... و ما (فما- خ ل) كان من أرض خربة أو بطون أودية فهذا كلّه من الفي‏ء و الأنفال 2. و هي في الدلالة كسابقتها.

ج- و منها موثّقة محمّد بن مسلم الماضية أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: الفي‏ء و الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء ... و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية ... 3. و هي أيضا في الدلالة كسابقتيها.

د- و منها ما رواه العيّاشي مرسلا عن أبي اسامة زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏

                       

قال: سألته عن الأنفال فقال: هو كلّ أرض خربة و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب «1». و دلالتها كما سبقتها إلّا انها مرسلة.

ه- و منها ما أرسله المفيد عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام و قد مضی «2».

و دلالتها أيضا مثل ما سبقت.

فهذه الأخبار المتعدّدة الّتي فيها معتبرات تدلّ علی أنّ كلّ أرض خربة من الأنفال، و لا ريب في شمولها للأراضي الّتي تكون في البلاد الإسلامية الّتي أسلم أهلها بأنفسهم من أوّل البعثة كأهل يثرب أو أسلموا بعد اشتهار صيت الإسلام أو الّتي كان أهلها من أهل الكتاب و عرضوا أنفسهم علی وليّ أمر المسلمين و قالوا إنّا نبقی علی ديننا و نسلّم ما يحكم الإسلام علينا، فهذه الطائفة و إن كانت الجزية يؤخذ عنهم إلّا أنّ أراضيهم الخربة كأراضي البلاد الإسلامية إذا كانت خربة من الأنفال، و لا محالة تكون ملكا لوليّ الأمر.

بل لا يبعد أن يقال: إذا فتح المسلمون بلادا واسعة أو سلّم أهلها أراضي و صولحوا عليها فالفتح يجعل الأراضي العامرة الّتي كانت تحت أيديهم ملكا للمسلمين و من الأراضي المفتوحة عنوة و التسليم و الصلح يوجب عروض حكم الصلح علی أراضي كانت ملكا لهم، و أمّا الأراضي الخربة فهي مشمولة لعموم أو إطلاق أرض خربة و تكون من الأنفال ملكا لوليّ الأمر.

و الشاهد عليه أنّ إطلاق أو عموم أرض خربة بلا معارض فإنّ الفتح أو التسليم و المصالحة إنّما يخرج ما كان ملكا لهم عن ملكهم، و أمّا الأرض الخربة فليست ملكا لهم من الأصل بدليل عموم هذه الأخبار فتبقی علی ما كانت عليه من كونها من الأنفال.

ثمّ الظاهر أنّ الأرض الخربة هي الموات، فإنّ الموت إنّما هو بلحاظ عدم‏

                       

حياة الأرض و عدم إنباتها لما يطلب من مثل الأرض، و الخراب- كما عرفت- ما كان علی صفة تمنع الاستفادة المطلوبة منها، فالخراب علّة للموت، و كلّ أرض موات فبما انها لا تحيی و تكون معرضا للحوادث من الأمطار و المياه الكثيرة و من الرياح الشديدة الحاملة للأحجار و الرمال فلذا كانت خربة.

و بالجملة: فالخربة تشمل الموات بل هي هو، و يؤيّده ما في الجواهر من الاستدلال لأنّ الأرضين الموات من الأنفال بهذه الأدلّة «1».

و لذلك فيمكن أن يعدّ من أخبار هذا القسم ما مرّ من قوله في مرفوعة أحمد ابن محمّد: و الموات كلّها هي له، و هو قوله تعالی: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ ...» «2».

و أمّا قوله عليه السّلام في خبر حمّاد بن عيسی: «و الأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها ...

و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» 3 فدلالته علی المطلوب في كلتا فقرتيه مشكلة، إذ قيّد الخربة بوصف «باد أهلها» فلا يدلّ علی أنّ مجرّد الخراب كاف في عدّه من الأنفال، و سيأتي ما يدلّ علی أنّ هلاك الأهل بنفسه كاف في ذلك، كما أنّ قيد الميتة بعنوان «لا ربّ لها» مانع عن الإطلاق، فلعلّ كونها لا ربّ لها سرّ تامّ في كونها لوليّ الأمر كما في إرث من لا وارث له، مضافا إلی أنّه ليس ظاهرا في أنّ الميتة من الأنفال.

الثاني من الأنفال بطون الأودية:

و الوادي هو الأراضي المنخفضة الّتي ربما تكون مسيلا أو جوانب الجبال و نواحيها، و الدليل علی انّها من الأنفال صحيحة أبي حفص و موثّقتي محمّد بن‏

                       

مسلم الماضية في أخبار كلّ أرض خربة «1» و قد ذكرت أيضا من الأنفال في مرسلة المفيد في المقنعة عن محمّد بن مسلم و قد مضت أيضا «2».

و هكذا قد ذكر انها من الأنفال فيما أرسله العيّاشي عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال: قلت: و ما الأنفال؟ قال: بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و كلّ أرض لم يوجف عليها خيل و لا ركاب و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها و قطائع الملوك «3». و دلالتها واضحة.

و هكذا قد وقعت في خبر حمّاد بطون الأودية و انها للإمام عليه السّلام إلّا أنّه لم يذكر فيه انها من الأنفال، و الأمر سهل بعد ذكر انها من الأنفال في تلك الأخبار الاخر، و قد مضی عبارة الخبر في الصفحة الماضية.

و هكذا قد ذكرت بطون الأودية في مرفوعة أحمد بن محمّد الماضية «4» إلّا انها أيضا مثل خبر حمّاد لم تتعرّض لكونها من الأنفال. و كيف كان، فموضوع الحكم بأنّه من الأنفال بطون الأودية، و هي مطلقة من حيث كونها في أراضي نفس الإمام أو الأراضي المفتوحة عنوة أو الأراضي الّتي لها مالك، فبطون الأودية في جميع الموارد بما انها بطون الأودية من الأنفال و ملك لوليّ الأمر بل إنّ بناء العرف و العقلاء أيضا علی أنّ بطون الأودية من البلاد مطلقة إنّما هي من الأموال العامّة الّتي تحت يد الدولة، و في الشريعة الإسلامية أيضا يكون الحكم كذلك مع زيادة و امتياز انها من أموال وليّ الأمر كسائر مصاديق الأنفال. فما عن الحلّي من اختصاصها ببطون الأودية الّتي كانت في أراضي نفس الإمام لا يمكن تصديقه.

                       

إلّا أنّ في نسبة التقييد إلی الحلّي نظرا، فإنّ كلامه في السرائر في بطون الأودية مطلق، و تعرّضه لتقييد الآجام و رءوس الجبال بأن لا تكونا في ملك مسلم و تركه لتقييد بطون الأودية به يقوّي إرادة الإطلاق في بطون الأودية فراجع «1».

الثالث و الرابع من الأنفال رءوس الجبال و الآجام:

و رءوس الجبال يراد بها ما ارتفع منها من قللها و جوانبها إلی أن تصل إلی الأودية، كما أنّ الآجام- بكسر الهمزة في أوّله أو مدّها- جمع أجمة بالتحريك و هي كما عن القاموس الشجر الكثير الملتفّ، و نحوه في أصل التفسير عن المصباح المنير، فالظاهر انها تعمّ الأشجار الكثيرة الواقعة في كثير من مناطق كرة الأرض الّتي يعبّر عنها بالفارسية ب «جنگل» و لعلّها تشمل القصب المعبّر عنها بالفارسية ب «نی‏ها» فالأشجار الكثيرة و القصب الّتي هي موجودة في كثير من الممالك من الأنفال هي مختصّة بالإمام.

و لا بأس بنقل كلمات بعض الأصحاب فيهما:

فقد قال ابن زهرة في الغنية: و أمّا أرض الأنفال و هي كلّ أرض أسلمها أهلها من غير حرب، أو جلوا عنها، و كلّ أرض مات مالكها و لم يخلّف وارثا بالقرابة و لا بولاء العتق، و بطون الأودية، و رءوس الجبال، و الآجام، و قطائع الملوك من غير جهة غصب، و الأرضون الموات فللإمام خاصّة دون غيره، و له التصرّف فيها بما يراه من بيع أو هبة أو غيرهما ... و دليل ذلك كلّه الإجماع المتكرّر، و فيه الحجّة «2».

فهو قدّس سرّه قد عدّ رءوس الجبال و الآجام من الأنفال، و حكم بانهما- كسائر مصاديق الأنفال- للإمام خاصّة، و صرّح في آخر عباراته أنّ دليل ذلك كلّه الإجماع المتكرّر و هو إجماع فقهاء الأصحاب الّذي تكرّر ذكره في كلامه و قال‏

                       

إنّه حجّة. فقد ادّعی الإجماع علی أنّ رءوس الجبال و الآجام للإمام عليه السّلام.

و قال ابن حمزة في الوسيلة- في بيان أحكام الأرضين-: الأرضون أربعة أقسام: أرض أسلم أهلها عليها طوعا، و أرض الجزية و هي ما صولح عليها أهلها و أرض اخذت عنوة بالسيف، و أرض الأنفال ... و الثالثة يكون بأسرها للمسلمين، و حكمها إلی الإمام يتصرّف فيها بما يراه صلاحا و يكون أعود علی المسلمين، و الرابعة للإمام خاصّة، و هي عشرة أجناس: كلّ أرض جلا عنها أهلها، و كلّ أرض خراب باد أهلها، و كلّ أرض أسلمها الكفّار بغير قتال، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و البائرة الّتي لا أرباب لها، و الآجام، و رءوس الجبال، و بطون الأودية، و كلّ ما يصطفيه الملوك لأنفسهم، و قطائعهم الّتي كانت في أيديهم علی غير جهة غصب، فجميع ذلك حكمه إلی الإمام يبيع ما يشاء و يهب ما يشاء و يقطع ما يشاء و يحيي ما يشاء و يضمّن ما يشاء بما يشاء كيف يشاء ... «1».

فتراه قد حكم ابتداء بأنّ أرض الأنفال للإمام خاصّة ثمّ فسّر الأنفال بما يشمل غير الأرض أيضا و عدّ من أقسامها الآجام و رءوس الجبال الّتي بحثنا الآن فيهما.

و قد عدّهما من الأنفال الّتي تختصّ بالإمام المحقّق في الشرائع و المختصر النافع.

و قال العلّامة في كتاب الجهاد من التذكرة: الأرض الخربة و الموات و رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام من الأنفال يختصّ بالإمام ليس لأحد التصرّف فيها إلّا بإذنه حال ظهوره، و يجوز للشيعة حال الغيبة التصرّف فيها لأنهم عليهم السّلام أبا حوا شيعتهم ذلك ... «2». و دلالتهما علی أنّهما من الأنفال و للإمام عليه السّلام واضحة.

و قال ابن إدريس في السرائر- في ذكر الأنفال و من يستحقّها من كتاب الخمس-: الأنفال هي جمع نفل، و نفل يقال بسكون الفاء و فتحها و هو الزيادة، و هي كلّ أرض خربة باد أهلها إذا كانت قد جری عليها ملك أحد، و كلّ أرض ميتة

                       

خربة لم يجر عليها ملك لأحد، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب- الإيجاف: السير السريع- أو أسلمها أهلها طوعا بغير قتال و رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام الّتي ليست في أملاك المسلمين، بل الّتي كانت مستأجمة قبل فتح الأرض و المعادن الّتي في بطون الأودية الّتي هي ملكه، و كذلك رءوس الجبال، فأمّا ما كان من ذلك في أرض المسلمين و يد مسلم عليه فلا يستحقّه عليه السّلام بل ذلك في الأرض المفتتحة عنوة و المعادن الّتي في بطون الأودية ممّا هي له، و الأرضون الموات الّتي لا أرباب لها، و صوافي الملوك و قطائعهم الّتي كانت في أيديهم لا علی وجه الغصب و ميراث من لا وارث له «1».

فقد عدّ هذه الامور العشرة من الأنفال و جعل منها رءوس الجبال و الآجام، إلّا أنّه قيّدهما بأن لا تكونا في أرض المسلمين، و إلّا فما كان منهما في أرض المسلمين و يد مسلم عليه فلا يستحقّه عليه السّلام، و نحوه أفاد أيضا في المعادن، و هذا القيد غير مذكور في كلام جلّ الأصحاب، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالی.

فالحاصل: أنّ المعروف في كلام علمائنا العظام أنّ رءوس الجبال و الآجام من الأنفال، و لم نجد و لم ينقل الخلاف فيهما من أحد بل ظاهر عبارة الغنية كما عرفت دعوی الإجماع عليه. هذا بالنسبة إلی ملاحظة أقوال الأصحاب.

و أمّا الأدلّة فقد عدّهما من الأنفال روايات عديدة و هي علی أقسام ثلاثة:

الأوّل: ما عدّ كليهما من الأنفال، ففي خبر حمّاد بن عيسی عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح [و في نقل الشيخ عن العبد الصالح أبي الحسن الأوّل‏] عليه السّلام: أنّه قال «و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها ...» «2».

و دلالته علی انهما للإمام عليه السّلام واضحة و إن لم يصرّح بانهما من الأنفال.

                       

و في خبر داود بن فرقد الّذي رواه العيّاشي في تفسيره عنه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: و ما الأنفال؟ قال: بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و كلّ أرض لم يوجف عليها خيل و لا ركاب و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها و قطائع الملوك «1». و دلالتها علی أنّهما من الأنفال واضحة.

و القسم الثاني: ما تعرّض لخصوص رءوس الجبال، ففي ما رواه أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا- رفع الحديث-: و بطون الأودية و رءوس الجبال و الموات كلّها هي له، و هو قوله تعالی: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ أنّ تعطيهم منه قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ «2». و دلالته علی أنّ رءوس الجبال من الأنفال واضحة بعناية ضمّ آية الأنفال إلی قوله الحاكم بانها له.

و فيما رواه المفيد في المقنعة عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الأنفال هو النفل و في سورة الأنفال جدع الأنف. قال: و سألته عن الأنفال فقال: كلّ أرض خربة أو شي‏ء كان يكون للملوك و بطون الأودية و رءوس الجبال و ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فكلّ ذلك للإمام خالصا 3 و دلالته علی أنّ رءوس الجبال من الأنفال و أنّها للإمام واضحة.

و القسم الثالث: ما تعرّض لخصوص الآجام؛ ففيما رواه العيّاشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لنا الأنفال، قلت: و ما الأنفال؟ قال: منها المعادن و الآجام و كلّ أرض لا ربّ لها و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا» «4». و نحوه ما في المستدرك عن كتاب عاصم بن حميد الحناط «5» و سيأتي إن شاء اللّه عند البحث‏

                       

عن المعادن. و دلالتها علی أنّ الأنفال لهم عليهم السّلام و علی أنّ منها الآجام واضحة.

فالحاصل: أنّ هذه الأخبار العديدة المستفيضة دالّة علی أنّ رءوس الجبال و الآجام للإمام عليه السّلام و علی انهما من الأنفال، و سند كلّ واحد منها بنفسه و إن كان ضعيفا بالإرسال و نحوه، إلّا أنّ عمل الأصحاب بها كما عرفت بحدّ ادّعی الإجماع علی انهما من الأنفال و لهم عليهم السّلام كاشف عن اعتبارها عندهم، و احتمال أنّ الأصحاب لعلّهم استندوا إلی وجه آخر مدفوع بأنّه لا دليل عليه أصلا و الأصل يقتضي نفي ملكيّته عليه السّلام عنها، فلا محالة يكون القول بها مستندا إلی دليل خاصّ و هو هذه الأخبار، و اللّه العالم.

ثمّ إنّ جميع الأخبار المذكورة مطلقة من حيث كون رءوس الجبال و الآجام واقعة في أيّ أرض و مكان و لم تقيّد بخصوص ما كان منهما واقعا في أرض لم يقع عليها يد مسلم أو يد أصلا و تبعه إطلاق كلمات الأصحاب كما مرّت، فبعد اعتبار سند هذه الأخبار علی ما عرفت فاللازم هو القول بمقتضی الإطلاق.

نعم قد كان ظاهر عبارة السرائر تقييدهما بأن تكونا في أرض هي ملك الإمام أو في أرض مفتوحة عنوة و صرّح بأنّ ما كان منهما في أرض هي من أملاك المسلمين و عليها يد مسلم فليس يستحقّه الإمام عليه السّلام إلّا أنّه لا وجه له بعد ما عرفت من اعتبار أسناد الروايات و إطلاقها.

و قد نقل هذا التقييد في خصوص الآجام عن الروضة أيضا، و هو أيضا مثل كلام السرائر حرفا بحرف.

و ممّا يؤيّد الإطلاق أنّ تلك الأشجار الكثيرة و القصب في بناء العقلاء ليست ملكا للأشخاص بل هي بيد الدولة و من الأموال العمومية و شرع الإسلام يجعلها من الأنفال و ملكا للإمام و وليّ الأمر كما في الموات من الأرضين و رءوس الجبال و بطون الأودية، فكما أنّ الموضوع فيها عند العرف مطلق يعمّ القصب و الأشجار الكثيرة الموجودة في الأراضي غير الشخصية و في غيرها فهكذا

                       

موضوع حكم الشرع، بل الحقّ أنّ تلك القصب و الأشجار لا يتعلّق بها ملك مسلم شخصي أو غير مسلم بل هي ملك العموم أو من الأنفال.

نعم إذا فرض أنّ مسلما غرس أشجارا و قصبا كثيرة و راقبها فصارت قصبا و أشجارا كثيرة فمقتضی القواعد انها ملك له، و لا يبعد أن يقال: إنّ الآجام الواردة في الأدلّة إن شملها لغة فالظاهر أنّها منصرفة عنها إلی خصوص ما سبق و تكون هذه القصب و الأشجار الّتي غرسها و حصلت بيده ملكا لمالكها كما هو مقتضی الأدلّة و القواعد.

ثمّ إنّ الآجام و إن كان معناها اللغوي كما عرفت نفس القصب و الأشجار فمفهوم الأخبار الماضية ابتداء انها من الأنفال و ملك للإمام عليه السّلام إلّا أنّه لا يبعد دعوی انّ العرف يفهم من هذه الأخبار أنّ الأراضي الّتي فيها هذه القصب و الأشجار تتبعها و تكون هي أيضا ملكا لوليّ الأمر، و لعلّ التعرّض لخصوص الأشياء النابتة فيها بملاحظة انها المنظور إليها للناس بخلاف أراضيها سيّما في الأزمنة الماضية الّتي لم تكن أسباب الوصول إلی تلك الأراضي و عمارتها غير حاصلة. و بالجملة: فبهذا البيان يصحّ استفادة ملكية أراضيها أيضا للإمام و إلّا فتفسير الآجام «بالأرض المملوّة من القصب و نحوه في غير الأرض المملوكة» كما في الرياض خلاف معناها اللغوي كما أفاده صاحب الجواهر أيضا «1».

الخامس من مصاديق الأنفال المعادن:

عند جمع من الأصحاب، و توضيحه أنّ كلمات الأصحاب فيها مختلفة.

1- فظاهر كلام بعض أنّ المعادن بلا قيد من الأنفال فتعمّ الظاهرة و الباطنة و ما كان في أرض مختصّة بالإمام أو في أرض مفتوحة عنوة أو في أرض هي‏

                       

ملك للأشخاص، و هذا هو ظاهر كلام الكليني في اصول الكافي «1» و المفيد قدّس سرّه في المقنعة «2» و سلّار في المراسم «3» و ظاهر ما عن القاضي ابن البرّاج في المهذّب «4» و ظاهر عبارة العلّامة في بحث الأنفال من المختلف 5. و لعلّه ظاهر تفسير القمّي الناقل لموثّق إسحاق بن عمّار الآتي.

2- إنّها ممّا يكون الناس فيه شرعا سواء و ليست من الأنفال كما هو ظاهر عبارة الشهيد في اللمعة حيث قال في آخر كتاب الخمس: «و أمّا المعادن فالناس فيها شرع» و هي كما تری لا تقييد فيها أصلا، و قد نسب هذا المضمون في خمس الدروس إلی الأشهر «6» و في كتاب المشتركات منه إلی المتأخّرين فقال:

 «و المتأخّرون علی أنّ المعادن للناس شرع» «7». و هو مختار المحقّق في النافع «8» و حكاه الجواهر عن الشهيد في البيان «9». و عن مبسوط الشيخ في المعادن الظاهرة أنّ الناس فيها سواء كلّهم يأخذون منه «10».

3- التفصيل بين أن تكون المعادن في أرض الإمام أو في أرض مفتوحة عنوة فهي من الأنفال و أن تكون في أرض مسلم و يد مسلم عليها فهي ملك لمالك الأرض، و هذا قول ابن إدريس في أنفال السرائر، و قد مضی نقل عبارته.

4- إنّ المعدن إن كان في أرض هي من الأنفال فهو أيضا من الأنفال، و إن كان في غير أرضه محّا ليست ملك شخص خاصّ فالناس فيه شرع، و إن كان في أرض تكون ملك الأشخاص فالمعدن أيضا ملك له و هو ظاهر عبارة الشهيد الثاني في آخر كتاب الخمس من الروضة.

5- المعادن الباطنة يكون الناس فيها شرعا و المعادن الظاهرة كذلك إلّا أنّه‏

                       

إذا أحيا أحد أرضا مواتا فظهر فيها معدن لم يكن ظاهرا قبل إحيائه فالمعدن ملك للمحيي، و هو ظاهر عبارة الشهيد الأوّل في مشتركات الدروس «1».

6 و 7- نفس القولين الأوّلين مع تقييد المعدن بما كان في غير أرض الإمام و ترك ذكر حكم معدن كان في أرضه، و هو ظاهر عبارة الرياض في كتاب الخمس «2» فلعلّ ما كان في أرض الإمام عليه السّلام يكون من الأنفال أو ملكا شخصيا له عليه السّلام، و قد عدّ كلّ من كان قائل القول الأوّل- علی ما ذكرنا- قائلا بالاحتمال الأوّل، و عدّ المحقّق هناك قائلا بالاحتمال الثاني، و هكذا نقل قوله به في المعتبر و نسبه إلی ابن إدريس و إلی الفاضل في التحريرين و إلی الشهيدين في اللمعة و شرحها، و نقل أنّ الشهيد الأوّل ادّعی علی هذا الاحتمال الشهرة.

أقول: إلّا أنّ مفاد عبارة الأصحاب هو ما ذكرناه و ليس من التقييد بأن يكون في غير أرضه في عباراتهم أثر إلّا في عبارة السرائر الّذي قد مرّ ذكر تفصيله، و من أراد التحقيق هنا فليراجع.

ثمّ إنّ في كتاب إحياء الموات من التذكرة ما لا بأس بذكره قال قدّس سرّه ما حاصله: «إنّ المعادن الظاهرة عند أكثر علمائنا من الأنفال يختصّ به الإمام خاصّة، و قال بعضهم: إنّ الناس فيها شرع سواء و هو قول العامّة. و المعادن الباطنة عند بعض علمائنا للإمام و عند الباقين إن كانت ظاهرة فكانت لجميع المسلمين و الناس فيها شرع سواء، و إن احتاج ظهورها إلی الإنفاق عليها و العمل فيها فهي لجميع من سبق إليها و أحياها و يملكها المحيي». و بعد ذلك فقد ذكر في مسألتين «أنّه لو أحيا أرضا فملكها أو ملكها بالشراء و شبهه فوجد فيها معدنا ظاهرا أو باطنا كان هذا المعدن ملكه» «3».

                       

فحاصل ما أفاده نقل قول آخر من الأصحاب بملاحظة قائليه، و إن ضمّ إلی صدره ما أفاده في الذيل من كون المعدن الّذي وجده في أرضه ملكا للواجد أشبه ما نقلناه عن مشتركات الدروس، إلّا أنّ ما عن الدروس كان علی مبنی أنّ الناس فيها شرع، و هذا التقييد غير مذكور في كلام التذكرة.

هذه هي الأقوال الّتي وقفت عليها، و لعلّ بين الأصحاب قولا أو أقوالا اخر.

فهذه الأقوال لعلّ منشأ كثرتها الأخبار الخاصّة الواردة علی عنوان المعدن و سائر القواعد و الأدلّة.

فنقول: قد وردت روايات أربع بأنّ المعادن من الأنفال:

1- ففي موثّقة إسحاق بن عمّار المروية في تفسير عليّ بن إبراهيم قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال فقال: هي القری الّتي قد خربت و انجلی أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من أرض الجزية [الأرض بخربة- خ ل‏] لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و كلّ أرض لا ربّ لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولی فماله من الأنفال «1».

و الاستدلال بها بأن يقال: إنّ الموصول في قوله «ما كان من أرض ... إلی آخره» مبتدأ و ما بعده عطف عليه، و قوله: «و المعادن منها» أنّ كلّ المعادن من الأنفال، فلم يقيّد العموم بقيد و لا محالة أنواع المعادن من الظاهرة و الباطنة في أيّ موضع كان سواء كان في الأراضي المتعلّقة بالإمام أم في الأراضي المفتوحة عنوة أم في موضع يكون أرضه ملك الأشخاص، و هو قول المفيد و متابعيه.

إلّا أنّه يمكن أن يورد عليه (أوّلا) بأنّه يحتمل أن يكون الجار و المجرور صفة و قيدا للمعادن و يكون الضمير راجعا إلی «أرض لا ربّ لها» فيدلّ علی أنّ المعدن‏

                       

الواقع في هذه الأرض من الأنفال لا كلّ المعادن. و (ثانيا) بأنّه نقلت هنا نسخة «فيها» مكان «منها» و هذه النسخة ظاهرة بنفسها في رجوع ضميره إلی الأرض المذكورة فلا عموم يثبت من هذه الموثّقة، و واضح أنّ المجرور علی رجوع الضمير إلی الأرض لا يكون خبرا، فلعلّ لفظة «هي» مبتدأ و جميع الأسامي الّتي بعدها أخبار، و جملتا «فهي للّه و الرسول» و «فهو للإمام» عطف تفريع علی كون ما سبق كلّا منهما من الأنفال و إن استبعد هذا التركيب، فكما قلنا «ما كان من أرض ...

إلی آخره» مبتدأ و الأسماء الّتي بعدها عطف عليه و خبر الكلّ محذوف بقرينة ما قبل فيكون الخبر «من الأنفال» محذوفا.

2- و في خبر أبي بصير- المرويّ في تفسير العيّاشي- قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لنا الأنفال قلت: و ما الأنفال؟ قال: منها المعادن و الآجام و كلّ أرض لا ربّ لها و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا «1».

3- و مثله و لعلّه هو ما في المستدرك عن كتاب عاصم بن حميد الحنّاط عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: لنا الصفيّ ... و لنا الأنفال قال: قلت له: و ما الأنفال؟ قال: المعادن منها و الآجام و كلّ أرض لا ربّ لها و لنا ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كانت فدك من ذلك «2».

4- و في خبر داود بن فرقد الّذي أرسله عنه العيّاشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث»: قلت: و ما الأنفال؟ قال: بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و كلّ أرض لم يوجف عليها خيل و لا ركاب و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها و قطائع الملوك «3».

                       

و دلالة هذه الأخبار علی المطلوب واضحة، و المعادن الواقع فيها لا قيد لها و تعمّ جميع أصناف المعادن في أيّ أرض كانت، فتدلّ علی القول الأوّل الّذي قال به المفيد و من تبعه.

إلّا أنّ الكلام في سندها، فإنّ ما في تفسير العيّاشي مرسل و لم يعلم اعتبار كتاب عاصم بن حميد، و الفتوی بأنّ المعادن من الأنفال لم تصل حدّ الشهرة لكي ينجبر بها ضعف سندها، كيف؟! و قد عرفت من الشهيد أنّ الأشهر خلافه بل اسند إلی المتأخّرين القول بأنّ الناس في المعادن شرع سواء.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّها مستفيضة و كتاب عاصم ليس بعيد الاعتبار، و حيث إنّ الأصل يقتضي نفي ملكية خصوص الإمام فلا محالة يكون فتوی من جعلها من الأنفال مستندة إلی هذه الأخبار، و ليس اعتماد القدماء و لا سيّما مثل الكليني و المفيد قدّس سرّهما علی خبر و الفتوی به ممّا يمكن رفع اليد عنه، فالقول بانها من الأنفال ليس بذلك البعيد.

و ربما يؤيّد كونها من الأنفال بأنّ أرض الموات و البحار و المعادن و البراري و ما هو مثلها عند العقلاء من الأموال العمومية الّتي يد الحكومات تتصرّف فيها و تجعل منافعها في مصالح الامّة، و قد جعل في شريعتنا سنخ هذه الأمور من الأنفال و أموال الإمام، فالمناسب أن تكون المعادن أيضا من الأنفال «1».

لكنّك خبير بأنّ مجرّد هذا التأييد لا يصل حدّا يمكن الاعتماد عليه في مقابل الأدلّة العامّة الّتي تقتضي الخلاف.

نعم استدلال صاحب الجواهر في إحياء الموات «بأنّ السيرة المستمرّة في سائر الأعصار و الأمصار حتّی في زمن تسلّط الأئمّة عليهم السّلام علی الأخذ من هذه المعادن حتّی الواقعة منها في الموات أو المفتوحة عنوة بلا استئذان من وليّ الأمر

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)
محتوای بیشتر در این بخش: قسمة2 »

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید