قسمة4

و أمّا الإجماع المدّعى في الغنية كمثله في عبارة المنتهى فلا يبعد إرجاعهما على‏

                       

أنّ إجماع الأصحاب قد انعقد على أصل مالكية الإمام لصفو المال لا على أنّه من الأنفال، و ذلك أنّ من المطمأنّ أنّ فتوى الأصحاب مستندة إلى مثل هذه الأخبار الّتي قد عرفت عدم دلالة شي‏ء منها على أنّه من الأنفال بل كان ظاهر كثير منها خلافه.

الجهة الثانية: في أنّ المراد بصفو المال أو المغانم ما ذا؟ فهل هي أشياء ذات خصوصية و ميز أم هي كلّ ما أحب أخذه؟

ففي الكلمات الماضية ذكر الشيخ في النهاية و الجمل و العقود و الكيدري في الإصباح أمثلة خاصّة و ذيّلاه بشبه ذلك ممّا لا نظير له و مثلهما ابن حمزة و ابن إدريس. كما أنّ ابن زهرة في الغنية و المحقّق في الشرائع و العلّامة في المواضع الخمسة من كتبه الأربعة عبّروا بأنّ له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء ثمّ مثّلوا بالأمثلة المعروفة، و قريب منهم القاضي في المهذّب. كما أنّ الدروس عبّر بأنّ له صفايا الغنائم و الشيخ المفيد بعد ذكر الحديث بأنّ «لنا صفو المال» قال: يعني بصفوها ما أحبّ الإمام من الغنائم و اصطفاه لنفسه، ثمّ مثّل بالأمثلة المعروفة قائلا: كلّما جاء به الأثر من هذا التفسير عن السادّة عليهم السّلام.

هذه خلاصة كلماتهم، و ربما يستظهر من الاصطفاء أنّ ما يختاره فهو صفو المال فيرجع إلى ما لا نظير له و لا يكون بين كلماتهم خلاف.

و كيف كان فلا يبعد أنّ تعبيرهم تفسير و بيان لما جاء في الأخبار كما صرّح به المفيد فاللازم هو مراجعتها و الدقّة في فهم المراد منها، فنقول:

إنّ الوارد في ستّة من هذه الأحاديث الثمانية صفو المال و إليه يرجع صفو المغنم الوارد في صحيح الربعي إذ قد مرّ أنّ المراد بالمال فيها نفس المغنم الّذي يحتوي عليه العسكر. نعم في خبر كتاب عاصم بن حميد «الصفي» و المراد منه- كما عرفت- الصفي من المغنم، و إذا كان الصفي- بما أنّه صفة مشبّهة من الصفو الّذي بمعنى الصفاء- بمعنى الصفو فلا يكون في العنوان الوارد في الأخبار اختلاف أصلا، فبعد ذلك فالصفو في اللغة ما هو؟ و هل فسّره بعض الأحاديث؟

                        

فالصفو و إن كان مصدرا لقولنا: صفا يصفو الماء إذا لم يكن فيه كدورة إلّا أنّه صفة مشبّهة أيضا بمعنى ما كان فيه صفاء و لا كدورة له و عليه، فإذا اضيف إلى شي‏ء مجتمع من امور مختلفة فقيل صفوه فلا محالة يكون صفوه هو أحسن الأشياء الّتي بها و بغيرها تحقّق هذا المجتمع المركّب، و بذلك قال الخليل في العين: «صفوة كلّ شي‏ء خالصه و خيره» و الصفوة هي الصفو كما صرّح به ابن منظور في لسان العرب نقلا عن أبي عبيد، فصفو المغنم هو خير ما كان فيه. هذا بحسب المفهوم اللغوي.

و منه تعرف أنّ تعبير الأصحاب عنه بما لا نظير له تعبير دقيق ناش عن التأمّل في مفهوم الصفو و الصفي.

و أمّا تفسير بعض الأحاديث فعبارة خبر حمّاد هكذا: «و للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها الجارية الفارهة و الدابّة الفارهة و الثوب و المتاع ممّا يحبّ أو يشتهي» ففسّر أوّلا صفو المال بصفو هذه المال، و هو كما عرفت بمعنى خيرها، ثمّ ذكر مثاله بالجارية أو الدابّة الفارهة فقيّد كلّا منها بوصف هو امتياز لكلّ منهما في أفراد نوعهما، ثمّ عطف عليهما الثوب و المتاع ممّا يحبّ أو يشتهي فقيّدهما بما يحبّه، و هو لا محالة لاشتماله على ميز، موجب لحبّه. فهذه الرواية فسّرته بما استفيد من مجرّد اللغة.

و قريب منها عبارة معتبر أبي بصير المروي في التهذيب. كما أنّ خبر كتاب عاصم فسّر الصفي بقوله: «الصفي من كلّ رقيق و ابل يبتغى أفضله» فحاصل مفاده أنّ صفي الأشياء أفضلها، و هو أيضا نفس ما استفيد من اللغة.

فالحاصل: أنّ المستفاد من اللغة و تفسير الأخبار و كلمات الأصحاب أنّ صفو المغنم هو ما كان فيه صفاء و كان خيرا إذا قيس إلى غيره ممّا اجتمع من جميعهما المغنم.

ثمّ من الواضح أنّ هذا الصفاء و الخيرية ربما كان لجهة مادّية كالجارية الحسناء و الفرس الفاره و السيف القاطع و نحوها، و ربما كان لأمر روحيّ معنوي كعبد أو أمة في كمال الخضوع للّه تعالى، فكلا القسمين من صفو الأموال. و منه تعرف أنّ مثل‏

                       

السكّة الّتي بقيت من السنوات الماضية جدّا و مثل كتاب كان بخطّ السابقين أو بخطّ العلماء الماضين أو الإمام أو النبيّ الماضي فهي كلّها من صفو المال.

الجهة الثالثة: أنّ موضوع الحكم لمّا كان صفو المال- و الصفو ما كان فيه ميز ما كما مرّ- فلا محالة إنّما يصدق هذا الموضوع في خصوص ما إذا كان للمغنم صفو، و إلّا فإن لم يكن له صفو أصلا و كان جميعه ممّا لا يرغب فيه الناس بعنوان الصفو فمثل هذا المغنم خارج عن مصبّ هذه الأخبار رأسا، و هو خروج موضوعيّ لا بأس به.

الجهة الرابعة: هل هذه الأموال الّتي هي صفو المال ملك للإمام عليه السّلام كما كانت الأنفال كذلك؟ أم أنّ للإمام أن يأخذ صفو المال و بأخذه يصير ملكا له؟

فالكلمات الماضية من العلماء مختلفة، فبعضهم عبّر بأنّ له عليه السّلام أن يصطفي أو يأخذ صفو المال، و بعضهم عبّر بأنّ له ما يصطفيه، و الأوّل إنّما عرف حقّ الاصطفاء و الأخذ له، و الثاني جعل ما يصطفيه ملكا له، فهذان التعبيران لا يقتضيان ملكا له إلّا بعد الاصطفاء، إلّا أنّ بعضهم عبّر بأنّ له الجارية الحسناء و أمثالها و هو ظاهر في كونها له بلا تقييد بالاصطفاء و الأخذ.

و أمّا الأحاديث فمثل صحيح صفوان و عدّة اخرى منها قد تضمّن أنّ له صفو المال أو أنّ لهم الصفي، و حيث إنّ صفو المال كما عرفت هو خيره فلا محالة نفس هذه الأشياء له بلا انتظار لأخذه و اصطفائه، إلّا أنّ صحيح الربعي قد حكى أوّلا أنّه «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له» ثمّ أفاد أخيرا «و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول صلّى اللّه عليه و آله» و هو لا يدلّ على أزيد من أنّ لهما أخذ صفو المال و أنّه بعد أخذه يكون لهما. كما أنّ معتبر أبي بصير قد سأل فيه عن صفو المال فأجاب الإمام عليه السّلام بقوله: «الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل أن تقسّم الغنيمة فهذا صفو المال» فقد فسّر الصفو بما يأخذه الإمام عليه السّلام ففرض أخذه لما يريد ثمّ طبّق عليه صفو المال، فظاهره أنّ الأخذ دليل في صدق الصفو عليه.

                       

و مثله خبر حمّاد بن عيسى حيث قال: «و للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها ...» فبعد حكمه بأنّ للإمام صفو المال بيّنه بأنّ له أن يأخذ صفوها، فعبارة «أن يأخذ» عطف بيان و توضيح لما سبقه، و يكون حاصل العبارة أنّ للإمام أن يأخذ صفو المال.

و بالجملة: فمعتبر أبي بصير و خبر حمّاد ظاهران في أنّ حقّ الإمام أن يأخذ صفو هذه الأموال، بل ظاهرهما أنّ المأخوذ هو صفو المال، و صحيح الربعي قد عرفت أنّه لا يقتضي خلافهما، و بما أنّ ظاهرهما تفسير صفو المال بخصوص المأخوذ فيكونان تفسيرا لغيرهما من الأخبار الّتي قد يتوهّم إطلاقها.

فالحاصل: أنّ الجمع بين الأخبار أنّ للإمام أخذ الصفو و أنّه إذا أخذه صار ملكا له، فالحقّ هو الاحتمال الثاني.

الجهة الخامسة: هل يشترط جواز أخذ الصفو بما إذا لم يوجب إجحافا بالمقاتلين- كما وقع في عبارة إصباح الشيعة و السرائر و الشرائع و القواعد و المنتهى و التذكرة- أم لا يشترط بهذا الشرط كما هو مقتضى عبارة غيرها من الكتب الماضية؟

الحقّ أنّ عبارة «لنا صفو المال» الواقعة في كثير من الأحاديث، لها إطلاق و تدلّ على ثبوت هذا الحقّ له، و لا محالة إن بقى بعد أخذه شي‏ء يتعلّق به حقّ المقاتلين و إلّا فلا دليل على ثبوت حقّ لهم بالمغنم حتّى يقال: إنّ أخذ كلّ الصفو يكون إجحافا عليهم.

إن قلت: إنّ إطلاق مثل قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ... يدلّ على أنّ خمس الغنيمة لأرباب الخمس و مفهومه أنّ باقيه للغانم، و الآية و إن لم تختصّ بغنائم الحرب إلّا أنّه لا ريب في شمولها لها، و واضح أنّ الغانمين للغنائم الحربية هم المقاتلون فلا بدّ و أن يبقى لهم شي‏ء منها، بل ربما يقال بأنّه لا بدّ و أن يبقى لهم أربعة أخماسها فيتعلّق حصّتهم بها و يكون أخذ جميعها إجحافا عليهم، فالآية المباركة دليل معتبر على ثبوت حقّ لهم.

                       

قلت: إنّ الآية المباركة و إن شملت غنائم الحرب إلّا أنّها تشمل غنائم التجارة و كلّ ما هي غنيمة أيضا، و حيث أنّها تشمل جميع مغنم الحرب فلا محالة أدلّة أنّ صفو المال للإمام عليه السّلام تقييد لها و إخراج لصفو المال عنها، فإطلاق الآية مرفوع اليد عنه في قبال أحاديث صفو المال و الأحاديث مقدّمة عليها، فلا بدّ من أخذ مفاد الأحاديث أيّا ما كان و تقييد الآية بها، و ابدا لا يصلح إطلاق الآية لأن يتقدّم على مفاد الأحاديث حتّى يثبت حقّا للغانمين.

نعم الإنصاف أنّ فرض قلّة ما بقي من المغنم بالنسبة إلى صفوه بعيد جدّا بمنزلة المعدوم إلّا أنّ اللازم الأخذ بإطلاق أدلّة صفو المال. هذا بالنسبة للأحاديث المتضمّنة لمثل «لنا صفو المال».

و بحكمهما صحيح الربعي فإنّه أيضا يحكي أوّلا أنّ نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله كان يأخذ صفو المغنم لنفسه و يقول أخيرا بثبوت هذا الحقّ للإمام، و الصفو فيه مطلق كصفو المال. نعم المفروض بقاء شي‏ء من المغنم بعد أخذ صفوه و حكم عليه بأخذ خمسه و تقسيم أربعة أخماسه بين المقاتلين، لكنّه لا ينافي أن يكون الصفو أكثر بمراتب من الباقي، و لا بدّ من الأخذ بإطلاقه أيضا كما عرفت.

و بعدها فمعتبر أبي بصير أيضا بإطلاقه حكم بأخذ الإمام لخير الغنيمة و أنّه صفو المال و هو أيضا مطلق و الأخذ بإطلاقه لازم.

و أوضح من الكلّ في واجدية الإطلاق خبر حمّاد بن عيسى فإنّه في فقرته المتعرّضة لصفو المال لصدرها الدالّة على أنّ للإمام أن يأخذ من هذه الأموال صفوها إطلاقا في حدّ سائر الأحاديث، و يزيد عليها أنّه حكم بأنّ للإمام- بعد أخذ الصفو- أن يسدّ بما بقي النوائب الحادثة للإسلام حتّى أنّه لو احتاج سدّها إلى صرف جميع الباقي صرف كلّه فيه، فتعرّض هذا المعنى بالصراحة يؤكّد إطلاق جواز أخذ الصفو و أنّه لا ملزم علينا بأن يبقى شي‏ء من الغنيمة.

فالحاصل: أنّ التأمّل في الأحاديث يقتضي الاستغناء عن قيد عدم الإجحاف‏

                       

بل لا مجال له، و اللازم هو القول بالإطلاق.

و أمّا توهّم أنّه خلاف الإجماع المدّعى فإنّ العلّامة في المنتهى قيّده بأن لا يجحف بالغانمين ثمّ قال: «ذهب إليه علماؤنا أجمع» كما أنّه حكم في التذكرة بأنّ للإمام أن يصطفي لنفسه بما لا يضرّ بالعسكر فقال: «عند علمائنا أجمع». و هذا الإجماع المدّعى منعقد على ما ذكره قبله حتّى بقيده من عدم الإجحاف و الضرر.

فمدفوع بأنّ الظاهر رجوعه إلى جواز أصل الصفو أوّلا، و أنّه يحتمل استناده إلى استظهار انصراف الأحاديث إلى ما لم يكن صفو المغنم أزيد ممّا يبقى على ما هو الغالب ثانيا كما اعتقد به صاحب الجواهر أيضا، و عليه فالإجماع على التقييد لو كان فهو محتمل المدرك و لا حجّة فيه بعد ما كان الحقّ هو الإطلاق كما عرفت.

الخامس عشر ممّا عدّ من الأنفال قطائع الملوك و صوافيهم:

و قد يقال مكان الصوافي: «ما يصطفيه الملوك لأنفسهم».

و لا بدّ أوّلا من ملاحظة كلمات الأصحاب حتّى يعلم وضع أقوالهم ثمّ الرجوع إلى أدلّة المسألة لتبيّن مفادها، فنقول:

1- قال شيخ الطائفة في باب الأنفال و في عدادها ... و صوافي الملوك و قطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب «1».

2- و قال في الجمل و العقود في فصل ذكر الأنفال و في عدادها: «... و صوافي الملوك و قطائعهم الّتي كانت في أيديهم من غير جهة الغصب «2».

3- و قال ابن حمزة في ببيان حكم الأرضين من الوسيلة: و الأرضون أربعة أقسام ... و الرابعة- يعني أرض الأنفال- للإمام خاصّة و هي عشرة أجناس: ... و كلّ ما يصطفيه الملوك لأنفسهم و قطائعهم الّتي كانت في أيديهم على غير جهة الغصب «3».

                       

فحيث إنّه قدّس سرّه في مقام عدّ أقسام أرض الأنفال فيعلم أنّ القطائع و ما اصطفاه الملوك لأنفسهم أيضا من جنس الأرض و لا يعمّ غيرها ثمّ إنّه رحمه اللّه جعل في قبال القطائع ما يصطفونه لأنفسهم لا صوافيهم.

4- و قال ابن إدريس في السرائر في باب ذكر الأنفال و في عداد مصاديقها:

... و صوافي الملوك و قطائعهم الّتي كانت في أيديهم لا على وجه الغصب «1».

5- و قال القاضي ابن البرّاج في باب ذكر أرض الأنفال من المهذّب: ... و صوافي الملوك و قطائعهم ما لم يكن ذلك غصبا- إلى أن قال بعد عدّ جميع مصاديقها:- فجميع ذلك من الأنفال و هي للإمام عليه السّلام خاصّة دون غيره من سائر الناس «2».

و هو أيضا حيث كان في مقام عدّ مصاديق أرض الأنفال فلا محالة يرى الصوافي و القطائع من جنس الأرض.

6- و قال الكيدري في إصباح الشيعة عند عدّ الأنفال: ... و صوافي الملوك و قطائعهم الّتي كانت في أيديهم لا على وجه الغصب «3».

7- و قال المحقّق في الشرائع- بعد ذكر الامور الخمسة الّتي يراها من الأنفال-:

و إذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع و صفايا فهي للإمام إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد.

و ظاهر كلامه أنّها ليست من الأنفال، و قد جعل عدل قطائع الملوك ما كان لهم من صفايا، و هو تعبير ثالث و لعلّه مرادف لما يصفونه لأنفسهم، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى حقّ المقال.

8- و قال أيضا في المختصر النافع في عداد الأنفال: ... و ما يختصّ به ملوك أهل الحرب من الصوافي و القطائع غير المغصوبة.

فعبارته هنا ظاهرة جدّا في أنّ الصوافي و القطائع من مصاديق الأنفال.

9- و قال العلّامة في القواعد- عند عدّ مصاديق الأنفال-: ... و صوافي الملوك‏

                       

و قطائعهم الغير المغصوبة من مسلم أو معاهد «1».

10- و قال قدّس سرّه أيضا في الإرشاد- عند عدّ مصاديق الأنفال-: ... و صفايا الملوك و قطائعهم غير المغصوبة «2».

فهو قدّس سرّه هنا قد عبّر بالصفايا مثل ما عرفت من الشرائع.

11- و قال قدّس سرّه في المنتهى: و من الأنفال صفايا الملوك و قطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير جهة الغصب، بمعنى أنّ كلّ أرض فتحت من أهل الحرب فما كان يختصّ بملكهم فهو للإمام إذا لم يكن غصبا من مسلم أو معاهد «3». و هنا أيضا عبّر بالصفايا.

12- و قال في فصل الأنفال من التذكرة: و منه- يعني من الأنفال- صفايا الملوك و قطائعهم الّتي كانت في أيديهم على غير وجه الغصب، على معنى أنّ كلّ أرض فتحت من أهل الحرب و كان لملكها مواضع مختصّة به غير مغصوبة من مسلم أو معاهد فإنّ تلك المواضع للإمام عليه السّلام «4». فهنا أيضا قد عبّر بالصفايا و جعل جنس القطائع و الصفايا نفس الأرض الّتي هي متعلّقة و في يد الملك.

13- و قال في كتاب إحياء الموات من التذكرة أيضا- عند عدّ مصاديق أرض الأنفال-: و قطائع الملوك و صوافيهم الّتي كانت في أيديهم من غير جهة الغصب ...

و هذه كلّها للإمام خاصّة، يتصرّف فيها كيف شاء عند علمائنا أجمع «5».

14- و قال الشهيد قدّس سرّه في عداد مصاديق الأنفال من الدروس: ... و صفايا ملوك الكفر و قطائعهم غير المغصوبة من مسلم أو مسالم «6». فهو أيضا قد عبّر بالصفايا.

فهؤلاء الأعلام من المتقدّمين و المتأخّرين قد عدّوا العنوان الّذي للإمام عليه السّلام اثنين: القطائع، و شيئا آخر هو الصوافي أو الصفايا أو ما يصطفيه الملوك لأنفسهم، و نجد من أصحابنا من عبّر بعنوان واحد هو القطائع:

                       

15- فقد قال شيخنا المفيد في عداد مصاديق الأنفال من المقنعة: ...

و قطائع الملوك «1».

16- و قال سلّار في عداد مصاديق الأنفال من المراسم ... و القطائع «2».

17- و قال أبو الصلاح الحلبي في فصل الأنفال من الكافي: فرض الأنفال مختصّ بكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و قطائع الملوك ... «3».

18- و قال ابن زهرة في عداد مصاديق أرض الأنفال: ... و قطائع الملوك من غير جهة غصب ... و دليل ذلك كلّه الإجماع المتكرّر و فيه الحجّة «4». و عبارته أيضا ظاهرة في أنّ قطائع الملوك من جنس الأرض.

هذه كلمات جمع من أصحابنا، و قد عرفت أنّه لا خلاف بينهم في المقام بل ادّعى ابن زهرة عليه الإجماع و نسبه العلّامة في إحياء الموات من التذكرة إلى علمائنا أجمع، نعم المذكور في التذكرة عنوانان و في الغنية خصوص القطائع، و لعلّه ليس خلافا بينهما على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و قد قال صاحب الجواهر ذيل عبارة الشرائع الماضية بعد قول الماتن «للإمام»: بلا خلاف أجده فيه.

هذه وضعية المسألة بحسب الأقوال، و لا بدّ من مراجعة الأدلّة اللفظية الواردة في البحث و هي أخبار عديدة، و التأمّل فيها يعطي أنّ هذه الأخبار على طوائف ثلاث:

الطائفة الاولى: ما تدلّ على أنّ كلّ شي‏ء كان للملوك فهو للإمام، و هي أخبار متعدّدة:

1- فمنها موثّق إسحاق بن عمّار- المروي في تفسير عليّ بن إبراهيم أوّل سورة الأنفال- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأنفال فقال: هي القرى الّتي قد خربت و انجلى أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام ... الحديث «5».

                       

و دلالته على المطلوب واضحة، كما أنّه ظاهر في أنّه من مصاديق الأنفال، حيث وقع في مقام الجواب عن حقيقة الأنفال و مصاديقها.

2- و منها ما رواه الشيخ في التهذيب بسنده الصحيح عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال: سألته عن الأنفال فقال: كلّ أرض خربة أو شي‏ء كان للملوك فهو خالص للإمام ليس للناس فيها سهم، قال: و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب «1». و دلالته أيضا على أصل المطلب واضحة و هو كالصريح في أنّه من الأنفال.

و أمّا سنده فقد عرفت صحّته إلى عثمان بن عيسى و عثمان و إن كان شيخ الواقفة و وجهها و أحد الوكلاء المستبدّين بمال موسى بن جعفر عليه السّلام و عن نصر بن صباح أنّه لم يدفع المال إلى الرضا عليه السّلام فسخط عليه، و ربما كان فيه دلالة على سوء حاله، إلّا أنّك تعلم أنّ فعله هذا بل و وقفه ربما كان لأجل شبهة في ذهنه في تلك الأزمنة الشديدة التقية فربما كان رجلا صالحا غير واقف أوّل الأمر بحقّ الإمامة، و يشهد له أنّ نصر بن صباح الناقل لعدم دفع المال أولا قال: «ثمّ تاب و بعث إليه بالمال» «2» فتوبته كاشفة عن حسن حاله، و قد روى حمدويه بن نصير الثقة، عن محمّد بن عيسى الثقة أنّ عثمان بن عيسى رأى في منامه أنّه يموت بالحائر، فرفض الكوفة و منزله و خرج إلى الحائر و ابناه معه فقال: لا أبرح حتّى يمضي اللّه مقاديره، و أقام يعبد ربّه جلّ و عزّ حتّى مات و دفن فيه 3.

فهذه الحالة لا تكون عادة إلّا عن ديانة قوية فوق أن يكون من الثقات فقط. و قد قال فيه نصر بن صباح: و كان يروي عن أبي حمزة الثمالي و لا يتّهمون عثمان بن عيسى.

فالإنصاف أنّ مجرّد هذه الامور يكفي لثبوت كونه ثقة. أضف إليه ما عن الشيخ في العدّة أنّ الطائفة الإمامية عملت برواياته لأجل كونه موثوقا به متحرّزا

                       

عن الكذب، و ما عن ابن شهر آشوب- في الجزء الرابع من المناقب- من أنّه من ثقات أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السّلام. و بالجملة: لا ينبغي الشكّ في أنّه ثقة.

و أمّا سماعة بن مهران فهو و إن كان واقفيا على ما ذكره الشيخ في رجاله إلّا أنّه قال فيه النجاشي: «روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام، مات بالمدينة، ثقة ثقة» و مع هذه الوثاقة فالظاهر أنّ الضمير في قوله في الحديث: «سألته» راجع إلى أحد الإمامين و لا يضرّ بسنده الإضمار، فهذا الحديث من حيث السند أيضا معتبر موثّق. إلّا أنّه مع ذلك كلّه فشبهة إضمار الحديث غير مرتفعة لعدم حجّة على أنّ مرجعه منحصر في خصوص أحد الإمامين، فتدبّر، إلّا أنّه لا يضرّ بالمطلوب بعد وجود الموثّق السابق و غيره.

و قد روى هذا الحديث العيّاشي في تفسيره مرسلا عن سماعة بن مهران، فراجع «1».

3- و منها ما رواه شيخنا المفيد في المقنعة- في باب الزيادات من كتاب الزكاة و الخمس- عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: و سألته عن الأنفال فقال: كلّ أرض خربة أو شي‏ء كان يكون للملوك، و بطون الأودية ... فكلّ ذلك للإمام خالصا «2».

و سند المفيد إلى ابن مسلم مجهول فلا محالة تكون الرواية مرسلة، إلّا أنّ دلالتها على المطلوب واضحة، إلّا أنّ حدودها غير واضحة، فإنّ ما كان للملوك- كما وقع في الموثّقين- يشمل كلّ ما كان ملكا لهم، و أمّا هنا فقد وصف شي‏ء بأن كان يكون للملوك، و لا يبعد أن يحتاج كونه بحيث يكون للملوك إلى ميز فيه به يناسب تعلّق ملك الملوك به كأموال نفيسة أو غالية لا توجد إلّا لدى الملوك، و الأمر سهل بعد عدم ثبوت اعتبار سندها.

4- و منها ما رواه العيّاشي عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قال عليه السّلام: ما كان للملوك‏

                       

فهو للإمام «1». و دلالتها واضحة.

5- و منها ما رواه العيّاشي أيضا عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قال عليه السّلام: ما كان للملوك فهو للإمام، قلت: فإنّهم يعطون ما في أيديهم أولادهم و نساءهم و ذوي قرابتهم و أشرافهم، حتّى بلغ ذكر من الخصيان، فجعلت لا أقول في ذلك شيئا إلّا قال: «و ذلك» حتّى قال: يعطي منه مائتي الدرهم [ما بين درهم- خ ل‏] إلى المائة و الألف. ثمّ قال عليه السّلام: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ «2».

فصدر الحديث مثل ما مرّ من روايته الاخرى و الموثّقين، و ذيلها يدلّ على أنّ ما في أيديهم لو أعطوه غيرهم من الأقارب و الأجانب لأخذ ما أعطوه و كان من الأنفال و للإمام، و ذيله بعد قوله: «حتّى قال» شاهد على أنّه لا فرق في كون ما أعطوه غيرهم من الأنفال بين القليل و الكثير.

فلا محالة تدلّ هذه الرواية على أنّ ما كان في أيديهم من الأراضي إذا أعطوه أحدا فهذه الأرض أيضا تؤخذ ممّن أعطوها، و سيأتي أنّ هذه بعض أفراد القطائع.

هذه هي الطائفة الاولى من الأخبار.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على أنّ قطائع الملوك للإمام عليه السّلام، و هي أيضا أخبار متعدّدة:

1- ما رواه الشيخ في التهذيب بسند صحيح عن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قطائع الملوك كلّها للإمام، و ليس للناس فيها شي‏ء «3».

فدلالة هذه الصحيحة على أنّ جميع قطائع الملوك للإمام واضحة، إلّا أنّه لا تعرّض فيها لأنّها من الأنفال.

                       

2- و منها ما رواه العيّاشي عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول- في الملوك الّذين يقطعون الناس-: و هي من الفي‏ء و الأنفال و أشباه ذلك «1».

و دلالته على المطلوب واضحة، إلّا أنّ مورده ما أقطعوه للناس و أعطوهم فلا يعم ما لو كان بأيديهم من القطائع.

3- و منها ما رواه أيضا عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بلغنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقطع عليّا عليه السّلام ما سقى الفرات، قال عليه السّلام: نعم، و ما سقى الفرات؟

الأنفال أكثر ممّا سقى الفرات قلت: و ما الأنفال؟ قال عليه السّلام: بطون الأودية، و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و كلّ أرض لم يوجف عليها خيل و لا ركاب و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها و قطائع الملوك 2.

فقد عدّ عليه السّلام في آخر كلامه من مصاديق الأنفال قطائع الملوك، فلا محالة هي للإمام وليّ الأمر عليه السّلام.

فهذه الروايات الثلاث الّتي اولاها صحيحة السند دلّت على أنّ قطائع الملوك للإمام، و الأخيرتان منها قد تضمّنتا أنّها من الأنفال.

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على أنّ صوافي الملوك للإمام عليه السّلام؛ و هي رواية حمّاد ابن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام ففيها- بعد قوله: و له بعد الخمس الأنفال» و عدّ بعض مصاديقها-: و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأنّ الغصب كلّه مردود، و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له «3».

فهذه الرواية دلّت على أنّ صوافي الملوك للإمام عليه السّلام، و ظاهر قوله بيانا لها:

 «ما كان في أيديهم» أنّ الصوافي المذكورة تكون في أيدي الملوك، فلا محالة ليست شيئا أعطوه غيرهم.

                        

فهذه الطوائف الثلاث قد دلّت على أنّه إذا فتحت أرض الحرب بيد المسلمين فما كان لملوك أهل الحرب و قطائعهم و هكذا صوافي الملوك ممّا كان في أيديهم فهو للإمام وليّ أمر المسلمين، و قد تضمّنت الطائفة الاولى أنّ ما كان للملوك فهو من الأنفال، كما أنّ ظاهر الطائفة الثالثة أنّ صوافي الملوك من الأنفال حيث عدّتها عند عداد الأنفال و عطفت عليها أنّ الإمام وارث من لا وارث له و قد عرفت أنّ إرث من لا وارث له أيضا من الأنفال، و أمّا الطائفة الثانية فصحيحتها إنّما دلّت على أنّ قطائع الملوك للإمام بلا تعرّض لأنّها من الأنفال، نعم بعض أخبارها الاخر قد صرّح بأنّها من الأنفال.

هذا مقتضى الأخبار و قد مرّت كلمات الأصحاب و أنّ جمعا منهم صرّحوا بكون القطائع و عدلها من الأنفال.

و بعد ذلك فالمناسب التوجّه إلى المراد من هذه العناوين الواقعة في أخبار الباب، فنقول:

أمّا عنوان «كلّ شي‏ء كان للملوك» فظاهره كلّ ما كان ملكا لهم فإنّه المستفاد من لفظة اللام الظاهرة في الاختصاص التامّ الّذي هو مساوق للملك، و عمومه يشمل الأموال المنقولة بأصنافها و غير المنقولة من دارهم و أراضيهم و بساتينهم، و لا محالة يعمّ الصوافي و القطائع أعني الأراضي الخاصّة الّتي كانت تحت أيديهم، و أمّا ما أعطوه بالهبة أو معاملة اخرى غيرهم من الناس بحيث صار لغيرهم فهو خارج عن مدلول «ما كان للملوك» إذ ظاهره ملكيّتهم له بالفعل، و هذه الأموال الّتي ذكرناها ليست ملكا لهم بل هي ملك غيرهم.

نعم قد مرّ أنّ حديث الثمالي المروي في تفسير العيّاشي- الّذي ذكرناه آخر أخبار الطائفة الاولى- قد دلّ على أنّ الأموال المنقولة الّتي أعطوها غيرهم فهي أيضا من الأنفال و تصير ملكا للإمام، إلّا أنّ سنده ضعيف بالإرسال.

و أمّا «القطائع» فهي جمع القطيعة، و القطع الّذي هو مادّة لها بمعنى الفصل،

                       

و الظاهر أنّها فعيل بمعنى المفعول، تطلق على ما كان متّصلا بغيره ممّا كان مثله فقطعوه عن غيره و خصّوه بشخص أو شي‏ء أو جهة، و بهذه الملاحظة يمكن إطلاقها على الأرض الّتي خصّت من أراضي المسلمين مثلا بأحد ملكا كان أو غيره كما يمكن إطلاقها على غير الأرض أيضا.

قال في المصباح المنير: قطعت له قطعة من المال: فرزتها ... و قطع السيّد على عبده قطيعة، و هي الوظيفة و الضريبة.

و نحوه في أقرب الموارد. و في لسان العرب: اقتطع طائفة من الشي‏ء أخذها، و القطيعة ما اقتطعته منه، و أقطعني إيّاها أذن لي في اقتطاعها. و استقطعته إيّاها سألته أن يقطعه إيّاها.

فترى أنّهم قد جعلوا القطيعة بمعنى ما اقتطع من الشي‏ء و أنّها تحمل على الوظيفة و الضريبة المجعولة للعبد، و من الواضح أنّ كليهما حمل لمالها من المفهوم اللغوي على مصداقه، فلا اختصاص لأن يكون المصداق أرضا و إن كانت قطعة من الأرض المقطوعة من أرض واسعة قطيعة أيضا أخذا بعموم المفاد.

إلّا أنّه مع هذا كلّه فترى كثيرا من أرباب اللغة قد جعلوا معنى القطيعة أو من معانيها القطعة من الأرض:

قال الخليل في كتاب العين: أقطع الوالي قطيعة أي طائفة من أرض الخراج، فاستقطعته ... و تقول: أقطعني قطيعة و ثوبا و نهرا، تقول في هذا كلّه: استقطعته.

ففسّر «قطيعة» ب «طائفة من أرض الخراج» و جعلها في الجملة الأخيرة عدلا للثوب و النهر، فكأنّهما غيرهما.

و في لسان العرب- بعد ما مضى من عبارته-: «أقطعته قطيعة أي طائفة من أرض الخراج، و أقطعه نهرا: أي أباحه له ... و الإقطاع يكون تمليكا و غير تمليك، يقال: استقطع فلان الإمام قطيعة، فأقطعه إيّاها إذا سأله أن يقطعها له و يبينها ملكا له فأعطاه إيّاها. و القطائع إنّما تجوز في عفو البلاد الّتي لا ملك لأحد عليها و لا

                       

عمارة فيها لأحد، فيقطع الإمام المستقطع منها قدر ما يتهيّأ له عمارته بإجراء الماء عليه أو باستخراج عين منه أو يتحجّر عليه للبناء فيه.

فظاهر هذه العبارات أنّ طائفة من الأرض المقطوعة عن أراض عامّة كأنّه معنى مستقلّ للقطيعة.

و في مجمع البحرين: القطيعة محالّ ببغداد أقطعها المنصور اناسا من أعيان دولته ليعمروها و يسكنوها، و منه: حدّثني شيخ من قطيعة الربيع. و أقطعته إقطاعا أي طائفة من أرض الخراج. و الإقطاع: إعطاء الإمام قطعة من الأرض و غيرها، و يكون تمليكا و غير تمليك. و في الحديث: «خلق اللّه تعالى آدم و أقطعه الدنيا قطيعة» أي أعطاه ايّاها. و القطائع: اسم لما لا ينقل من المال كالقرى و الأراضي و الأبراج و الحصون، و منه الحديث «قطائع الملوك كلّها للإمام».

فترى أنّه فسّر القطيعة بطائفة من أرض الخراج و غيرها و ممّا لا ينقل من الأموال، و فسّر حديث بابنا بها.

و في أقرب الموارد: القطيعة: الوظيفة، و ما يقطع من أرض الخراج، جمعا مطائع، و القطيعة: مواضع في بغداد أقطعها الملك المنصور اناسا من أعيان دولته ليعمروها و يسكنوها، و هي قطيعة فلان و فلان.

و عبارته أيضا قريبة ممّا مرّ خصوصا من عبارات مجمع البحرين.

فالمتحصّل من هذه الكلمات: أنّ القطيعة بحسب أصل اللغة و إن كانت بمعنى مطلق ما يقطع من غيره أرضا كانت أو غيرها إلّا أنّ معنى قطعة من الأرض كأنّه منصرف منها، و في حكمها ما لا ينقل من القرى و الأبراج و الحصون، و لذلك فليس من البعيد دعوى انصراف القطائع إلى هذه الأموال غير المنقولة كما فسّرها بها مجمع البحرين. نعم لا بدّ هنا من التنبّه لنكتة هي أنّ كونها من أرض الخراج غير معتبرة في مفهومها، كيف لا؟! و قطائع الملوك الكفر لم يتصوّر أن تكون من أرض الخراج بل التعبير بأرض الخراج إنّما هو لكونها منها في الحكومة الإسلامية.

                       

ثمّ إنّ لفظة «قطائع» اضيفت في أخبار الباب إلى الملوك الّذين هم ملوك الكفر، و الإضافة متقوّمة بأدنى مناسبة، و هذه المناسبة موجودة فيما كانت منها بيد الملوك و فيما أعطوها غيرهم كما في قطائع بغداد، و اللازم الأخذ بإطلاقها، فما كان من الأموال غير المنقولة بيد الملك نفسه أو أعطاها الناس فهي قطيعة يعمّها قطائع الملوك و تكون ملكا للإمام و من الأنفال، و حيث إنّ التفسير الواقع في كلمات بعض من مضى من الأصحاب تعبير عن هذا المعنى اللغوي فلا حجّة فيه على الخلاف لو فرض اختلاف ما في بعضه مع ما اخترناه. هذا بالنسبة إلى عنوان القطائع.

و أمّا «الصوافي» فهي جمع الصافية، و هي اسم فاعل من صفا، و في المصباح المنير: صفا يصفو صفوا- من باب قعد- و صفاء: إذا خلص من الكدر، فهو صاف.

و صفّيته من القذى تصفية: أزلته عنه. و أصفيته- بالألف-: آثرته. و أصفيته الودّ:

أخلصته. و قريب منه في غيره. و عليه فالصافية هي الخالصة من الكدورة.

لكن في لسان العرب: استصفيت الشي‏ء: إذا استخلصته ... و منه قيل للضياع الّذي يستخلصه السلطان لخاصّته: الصوافي. و قد نقل في النهاية لابن الأثير عن الأزهري أنّه يقال للضياع ... إلى آخره.

إلّا أنّ في مجمع البحرين: و في (حديث) آخر: للإمام صوافي الملوك، و هي ما اصطفاه ملك الكفّار لنفسه. و قيل: الصوافي: ما ينقل، و القطائع: ما لا ينقل.

أقول: فرعاية أصل معنى المادّة فيها بملاحظة خلاصها من حقّ الغير من عامّة الناس فتختصّ بالملك أو بخاصّته.

و قد عرفت أنّ الصوافي الواقعة في أخبار الباب- أعني رواية حمّاد بن عيسى- قد وصفت بقوله: «و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم» فخصّها بأن تكون في أيدي الملوك أنفسهم، فلا محالة تنطبق على ما في مجمع البيان لا على ما في النهاية و لسان العرب.

و قد وقع في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام للأشتر- عند تعرّضه للطبقة السفلى من‏

                       

الناس- خطابا لمالك: «و اجعل لهم قسما من بيت مالك و قسما من غلّات صوافي الإسلام في كلّ بلد، فإنّ للأقصى منهم مثل ما للأدنى و كلّ قد استرعيت حقّه».

فأضاف الصوافي إلى الإسلام و جعل لها غلّات، و مدلوله أنّ للصوافي غلّات.

و هو كذلك إذا كانت أراضي خالصة للمسلمين حتّى يكون غلّاتها من أموالهم.

فالحاصل: أنّ المستفاد من الطوائف الثلاث أنّ الأراضي الّتي كانت بيد ملك الكفّار الّتي هي المرادة من صوافي الملوك و كلّ شي‏ء كان لملك الكفّار و قطائع الملوك- و هي الأراضي الّتي خصّوها بأنفسهم أو أعطوها غيرهم و بحكمها سائر ما لا ينقل- فهي كلّها من الأنفال و ملك للإمام عليه السّلام دون سائر الناس.

ثمّ إنّك قد عرفت موضوع القطائع و الصوافي في كلمات كثير من الأصحاب بأن لا تكون غصبا من أحد، و هو قيد متين، و الدليل عليه أنّ الأخبار الواردة على كلّ شي‏ء كان للملك مختصّة ممّا كان ملكا له، و رواية الصوافي قد قيّدها بقوله: «ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأنّ الغصب كلّه مردود» فتقيّدها بأن لا تكون غصبا، بل دلّت بمقتضى التعليل المذكور على أنّ كلّ ما كان غصبا فلا بدّ و أن يردّ إلى مالكه، فالقطائع إن كانت مطلقة تقيّد بهذا التعليل، مضافا إلى أنّه لا يبعد دعوى انصراف «قطائع الملوك» إلى ما كانت بحيث يصحّ و يجوز لهم التصرّف فيها و انصرافها عمّا كانت لغيرهم من الناس أخذوها عنهم غصبا و عدوانا. و بالجملة:

فهذا القيد لا شبهة في اعتباره.

فبعد ما دلّت هذه الأدلّة المعتبرة السند و الدلالة على اختصاص ما للملوك بشرح ما مضى بالإمام فيها يقيّد إطلاق قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ «1» الآية، حيث إنّ إطلاق «ما غنمتم» يشمل غنائم الحرب فتكون أربعة أخماسه الباقية للغانمين الّذين هم المقاتلون فإذا كان شي‏ء ممّا للملوك في تلك الغنائم كان جميعه من الأنفال و لوليّ الأمر.

                       

و مثل الآية المباركة قول أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام- على ما في صحيح الربعي-:

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الّذين قاتلوا عليه ...

الحديث «1»، فإنّ موضوعة غنيمة الحرب، و تشمل ما إذا كان فيها شي‏ء ممّا للملوك فيقيّد بغيره. و مثله الأخبار الاخر الواردة في تقسيم غنائم الحرب.

كما أنّ هذه الأدلّة تقيّد إطلاق مثل قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام- على ما في صحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي-: «... و ما اخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالّذي يرى كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر قبل أرضها و نخلها و الناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان البياض أكثر من السواد، و قد قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر «2».

فموضوع كلامه هنا الأرض المفتوحة عنوة فجعل مجرّد تقبيلها إلى الإمام، و إلّا فنفس الأرض للمسلمين و هو يقيّد بهذه الأدلّة، و هكذا الأمر فيما كان مثله.

السادس عشر ممّا عدّ من الأنفال غنيمة حرب لم تكن بأمر و لا إذن من وليّ الأمر:

فلنذكر في ذلك كلمات جمع من الأصحاب ثمّ لنتعرّض لمقتضى الأدلّة، فنقول:

1- قال الشيخ قدّس سرّه في النهاية- عند عدّ مصاديق الأنفال-: ... و إذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام فغنموا كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره «3».

2- و قال قدّس سرّه في الجمل و العقود- عند عدّ مصاديق الأنفال-: و في عداد مصاديقه: ... و إذا قوتل قوم من أهل حرب فأخذ غنائمهم من غير إذن الإمام فذلك له خاصّة «4».

                        

3- و قال قدّس سرّه في كتاب الفي‏ء و قسمة الغنائم من الخلاف: إذا دخل قوم دار الحرب و قاتلوا بغير إذن الإمام فغنموا كان ذلك للإمام خاصّة، و خالف جميع الفقهاء ذلك، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم «1».

4- و قال قدّس سرّه في كتاب السير من الخلاف: إذا غزت طائفة بغير إذن الإمام فغنموا مالا فالإمام مخيّر إن شاء أخذه منهم و إن شاء تركه عليهم، و به قال الأوزاعي و الحسن البصري، و قال الشافعي: يخمّس عليهم، و قال أبو حنيفة: لا يخمّس، دليلنا اجماع الفرقة و أخبارهم «2».

أقول: و ما هنا لا ينافي ما في كتاب الفي‏ء منه فإنّ كون الغنيمة يجمعها له لازمة التخيير المذكور هنا، نعم ما في كتاب الفي‏ء أوضح دلالة على المطلوب.

5- و قال ابن إدريس في باب ذكر الأنفال و من يستحقّها من السرائر- عند عدّ مصاديق الأنفال-: و إذا قاتل قوم أهل حرب بغير أمر الإمام فغنموا كانت الغنيمة خاصّة للإمام دون غيره «3».

6- و قال القاضي ابن البرّاج في باب ذكر الأنفال من المهذّب- عند عدّ مصاديق الأنفال-: ... و كلّ غنيمة غنمها قوم قاتلوا أهل الحرب بغير إذن الإمام أو ممّن نصبه ... «4».

7- و قال الكيدري في فصل الأنفال من إصباح الشيعة- عند عدّ مصاديقها-:

... و ما غنم من أهل الحرب بغير إذن الإمام كان كلّ هذا للإمام القائم مقام الرسول صلّى اللّه عليه و آله «5».

8- و قال المحقّق في الشرائع في كتاب الخمس بعد عدّ الأنفال: ... و ما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له عليه السّلام.

                       

9- و قال المحقّق قدّس سرّه في المختصر النافع في المسألة الاولى من المسائل الملحقة بباب الخمس عند ما يعدّ الأنفال: ... و قيل: إذا غزا قوم بغير إذنه فغنيمتهم له، و الرواية مقطوعة.

و في المهذّب البارع- ذيل قوله «و الرواية مقطوعة»-: الرواية إشارة إلى ما رواه العبّاس الورّاق عن رجل سمّاه ... و عليها عمل الأصحاب ... فضعفها بإرسالها يؤيّد بعمل الأصحاب «1».

10- و قال العلّامة في القواعد- عند عدّ مصاديق الأنفال-: و هي عشرة: ...

و غنيمة من يقاتل بغير إذنه «2».

11- و قال قدّس سرّه في الإرشاد- عند عدّ- مصاديق الأنفال-: ... و غنيمة من قاتل بغير إذنه عليه السّلام له عليه السّلام «3».

12- و قال قدّس سرّه في من التذكرة- عند عدّ مصاديق الأنفال-: و منه كلّ غنيمة غنمت بغير إذن الإمام فإنّها له خاصّة «4».

13- و قال قدّس سرّه في كتاب إحياء الموات من التذكرة- عند البحث عن أرض الأنفال-: ... و كلّ غنيمة غنمها من يقاتل بغير إذن الإمام و ميراث من لا وارث له، و هذه كلّها للإمام خاصّة يتصرّف فيها كيف شاء عند علمائنا أجمع «5».

14- و قال قدّس سرّه في المنتهى- عند عدّ مصاديق الأنفال-: و إذا قاتل قوم من غير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة للإمام ذهب إليه الشيخان و السيّد المرتضى رحمهم اللّه و أتباعهم، و قال الشافعي: حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام لكنّه مكروه، و قال أبو حنيفة: هي لهم و لا خمس، و لأحمد ثلاثة أقوال: كقول الشافعي و أبي حنيفة و ثالثها لا شي‏ء لهم فيه. احتجّ الأصحاب بما رواه العبّاس الورّاق عن رجل سمّاه- فذكر الرواية و احتجاج الشافعي و أبي حنيفة إلى أن قال:- و احتجّ‏

                       

أحمد على ثالث الأقوال بأنّهم عصاة بالفعل فلا يكون ذريعة لفائدة التملّك الشرعي- ثمّ أجاب عن حجّة الشافعي و أبي حنيفة ثمّ قال:- و عن الثالث بالتسليم فإنّه دالّ على المطلوب «1».

هذه عبارة المنتهى في هذه المسألة، و هي كما ترى دالّة بوضوح على أنّ العلّامة قدّس سرّه أيضا قائل كغيره من الأصحاب بأنّ غنيمة الحرب الّتي لم تكن بإذن الإمام خاصّة بالإمام، و استدلّ له برواية الورّاق و في ذيل كلامه نقل أقوال العامّة و ردّ أدلّتهم. نعم صحّح دليل القول الثالث المنقول عن أحمد في مجرّد أنّ المقاتلين بغير إذن الإمام لا يكون من غنيمته شيئا، و هو أمر صحيح يقول به الأصحاب، فليس في عبارته ما يوهم الميل إلى خلاف ما عليه الأصحاب أصلا.

نعم أفاد في الاستدلال للشافعي قوله: «احتجّ الشافعي بعموم قوله تعالى:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ الآية و هو يتناول المأذون فيه و غيره.

ثمّ أجاب عنه بقوله: «و الجواب عن الأوّل أنّه غير دالّ على المطلوب لأنّه يدلّ على إخراج الخمس في الغنيمة لا على المالك و إن كان قول الشافعي فيه قويا» 2. فربما يتوهّم من عبارته الأخيرة مخالفته للأصحاب و اختياره لقول الشافعي. لكنّ الأظهر أنّ مفادها تسليم دلالة الآية على تعيين المالك، و مجرّد تسليمها لا يلازم قبول فتواه، فإنّ الآية مطلقة تقيّد برواية العبّاس.

و الغرض من التطويل هنا دفع ما نسبه إليه صاحب المدارك «3» و تبعه صاحب الرياض «4» و الجواهر و غيرهما حتّى بعض الأعاظم «5» فنسبوا إلى المنتهى أنّه قوّى أنّ غنيمة هذا الحرب ليست للإمام خاصّة بل حكمها حكم غنيمة حرب كان بإذنه.

                       

15- و قال الشهيد في الدروس عند عدّ الأنفال: و هي الأرض الّتي باد أهلها ... و غنيمة من غزا بغير إذنه في رواية العبّاس المرسلة عن الصادق عليه السّلام «1». و لعلّ في توصيف الرواية بالمرسلة نحو إشعار بتردّده في المسألة.

هذه هي أقوال من وقفت عليه من أصحابنا إلى زمن الشهيد، و قد عرفت عدم الخلاف بينهم في المسألة، بل ادّعى الشيخ في الخلاف أنّ عليه إجماع الأصحاب، و نسبه العلّامة في إحياء الموات إلى التذكرة إلى علمائنا أجمع، و قال ابن فهد في المهذّب البارع: إنّ على العمل بالرواية عمل الأصحاب. نعم قد تأمّل فيه بل أشار إلى ضعفه المحقّق في النافع بقوله: «و الرواية مقطوعة». و حكى تردّده في المعتبر أيضا.

و قد وصف الجواهر الحكم بأنّ هذه الغنيمة من الأنفال و للإمام عليه السّلام بقوله:

على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا بل نسبه غير واحد إلى الشيخين و المرتضى و أتباعهم، بل في التنقيح نسبته إلى عمل الأصحاب كما في الروضة نفى الخلاف عنه، و في بيع المسالك أنّ المعروف من المذهب مضمون المقطوعة الآتية لا نعلم فيه مخالفا، بل عن الحلّي الإجماع عليه و هو الحجّة «2».

هذا هو تمام الكلام في أقوال الأصحاب في المسألة.

و أمّا مقتضى الأدلّة فلا ينبغي الشبهة في أنّ مقتضى إطلاق الآية المباركة أنّ ما غنمه المسلمون فالخمس منه لمصارف الخمس و أربعة أخامسه للغانمين الّذين هنا المقاتلون، كما أنّ إطلاق المغنم المذكور في مثل صحيحة ربعي بن عبد اللّه شامل لمغنم الحرب مطلقا و إن كان بغير إذن الإمام. و بالجملة: فالأدلّة الواردة على الغنيمة أو غنيمة الحرب تشمل ما إذا لم يكن عن إذن الإمام أيضا فتكون غنيمته كغنيمة الحرب الّذي بأمره تقسّم بعد أخذ صفوها و إخراج خمسها بين المقاتلين.

1- إلّا أنّ في البين رواية الورّاق فتدلّ على تقييد هذا الإطلاق، فقد روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار عن الحسن بن أحمد بن‏

                       

يسار (بشار- خ ل) عن يعقوب عن العبّاس الورّاق عن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس «1».

و دلالتها على ما مرّ في كلمات الأصحاب من التفصيل واضحة، إلّا أنّ الكلام في سندها، فالصفّار نفسه من الأعاظم الثقات و إسناد الشيخ إليه صحيح في المشيخة و الفهرست، إلّا أنّ الحسن بن أحمد بن يسار (بشار) لم يذكر ترجمته و لا خبر عنه بمدح أو ذمّ. نعم في جامع الرواة ذيل ترجمة الورّاق ما نصّه: الحسن بن أحمد بن بشار عن يعقوب عن العبّاس الورّاق في باب الأنفال. و ذكره العلّامة الخوئي قدّس سرّه في رجاله بلا قدح و لا ذمّ فهو مجهول الحال. و أمّا يعقوب فالمسمّى بهذا الاسم في طبقة الحسن و قبله متعدّد بعضهم ثقة و بعضهم مجهول فلا محالة لا يثبت وثاقته أيضا، و أمّا العبّاس الورّاق فهو العبّاس بن موسى أبو الفضل الورّاق ثقة نزل بغداد و مات بها و كان من أصحاب يونس على ما قاله النجاشي في رجاله. و الرجل الّذي سمّاه الورّاق و روى عنه الرواية غير معلوم فلا يثبت اعتباره. فهذا هو وضع سند الحديث.

إلّا أنّه مع ذلك كلّه فقد عرفت أنّ الأصحاب أفتوا بمضمونها و ادّعى بعضهم- كما عرفت- الإجماع عليه، و واضح أنّ هذا الحديث كان سند هذا الافتاء و لذلك قال المحقّق في المختصر النافع تعريضا على هذه الفتوى: «و الرواية مقطوعة» فانحصار الدليل في هذا الحديث و اعتماد الأصحاب عليه و الفتوى بمضمونه جابر جدّا لضعف سند، لا سيّما و في المفتين به مثل السيّد المرتضى و ابن إدريس اللّذين ناديا بأعلى الصوت و ادّعيا إجماع الشيعة على عدم اعتبار الخبر الواحد، فيطمأنّ أنّ الحديث كان عندهما معلوم الصدور و عند غيرهم أيضا واضح الاستناد إلى المعصوم عليه السّلام فلا ينبغي أيّة شبهة في الاعتماد عليه و الإفتاء به، و به تقيّد الإطلاقات الّتي مرّ ذكرها.

                       

2- و قد يستدلّ بمفهوم الفقرة الاولى من صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال عليه السّلام: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسّم بينهم أربعة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ «1».

حيث قيّد إخراج الخمس عن غنيمة الحرب و تقسيم الباقي بين المقاتلين بأن يكون القتال مع أمير أمّره الإمام، فمفهوم هذا القيد أنّه لو لم يكن القتال بأمر الأمير فلا مجال لهذا التقسيم، فلا محالة تكون الغنيمة كلّها للإمام.

و لكن في أصل انعقاد المفهوم للقيد إشكال فإنّه يحتمل أن يكون ذكره لأنّه إذا كان لهم أمير فلا محالة بحسب الطبع يكون القتال و عدمه تحت أمره فذكر حكم كلّه من الشقّين، و لو سلّم له مفهوم فمفهومه مجرّد أنّه ليس إذا لم يكن القتال بأمر الأمير هذا التقسيم و أمّا أنّ كلّ الغنائم حينئذ للإمام أو كلّها للمقاتلين أنفسهم أو أنّ حكمها شي‏ء آخر فلا دلالة للمفهوم عليه أصلا.

فالحاصل: أنّ دليل الحكم هو رواية الورّاق المجبورة السند بعمل الأصحاب، و إلّا فالإجماع المدّعى في كلام الشيخ في الخلاف و العلّامة في التذكرة حيث إنّه محتمل المدرك جدّا فلا حجّة فيه.

و قد يستدلّ لمساواة هذه الغنيمة مع غنيمة حرب كان بإذن الإمام- كما في المدارك- بصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة، قال عليه السّلام: يؤدّي خمسا (خمسها- يب) و يطيب له «2».

                       

و بيانه: أنّ حرب الجائر لم يكن بإذن الإمام قطعا فلو كانت غنيمته للإمام لما طابت للرجل من أصحابنا بأداء مجرّد الخمس، فالاكتفاء بصرف خمسها شاهد على أنّ حكم الغنيمة في حرب لا تكون بإذن الإمام حكم غنيمة حرب تكون بأمره.

و فيه: أنّ موضوع الصحيحة إنّما هو غنيمة وقعت بيد من كان من الشيعة معهم و في لوائهم فلا محالة كانت ممّا وصلت إليه منهم، فتجويز التصرّف له في الباقي بعد الخمس لعلّه من باب تحليل حقّهم لشيعتهم في الأموال الّتي تقع تحت أيديهم في معاملاتهم مع الناس. هذا مضافا إلى منع ظهور لفظة «غنيمة» في الصحيحة في غنيمة الحرب فلعلّ المراد بها الفائدة الّتي تصل بيدها اجرة لعمله لهم و يكون الخمس المذكور خمس أرباح التجارة. و بالجملة: فليس في الصحيحة دلالة على الخلاف.

و قد يزاد على هذه الصحيحة بما ذكره أبو جعفر الثاني عليه السّلام فيما كتبه إلى عليّ ابن مهزيار حيث عدّ في مقام عدّ مصاديق الغنائم و الفوائد: ... و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله ... «1».

ببيان أنّه عدّ المال المأخوذ من عدوّ استوصل من الفوائد الّتي إنّما هي لا يجب فيها إلّا الخمس، و إطلاق العدوّ المذكور شامل لعدوّ قوتل بلا إذن الإمام فأخذ ماله أيضا، فغنيمة القتال له ليس فيها أزيد من الخمس كما هو حكم غنيمة قتال كان بأمره.

لكن فيه: أنّ ظاهره عدوّ شخصي كالكافر الحربي استوصل فأخذ ماله و هو منصرف عن عدوّ يقاتل معه فلا ربط له بمورد البحث. و قد يزاد أخبار تحليل ما للأئمّة من النصيب في الفي‏ء لشيعتهم حيث إنّ مقتضاها أنّ لهم جزءا من الفي‏ء مع أنّ الحروب الواقعة في زمانهم كانت بأمر خلفاء الجور و بلا إذن منهم فلو كانت غنيمة مثل هذه الحروب لهم لكان كلّ الفي‏ء لهم لا جزء منه، و نخصّ بالذكر من هذه الأخبار ما عن الإمام العسكري عليه السّلام- في تفسيره- عن آبائه عن‏

                       

أمير المؤمنين عليهم السّلام أنّه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قد علمت يا رسول اللّه أنّه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه فلا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب، و لتطيب مواليدهم و لا يكون أولادهم أولاد حرام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، و قد تبعك رسول اللّه في فعلك، أحلّ الشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة و بيع من نصيبه على واحد من شيعتي، و لا احلّها أنا و لا أنت لغيرهم «1».

فصرّح الأمير عليه السّلام بأنّ نصيبه من الغنائم في هذا الزمن الّذي يكون فيه ملك عضوض إنّما هو خمس الغنائم مع أنّ المتغلب حينئذ لا يكون حربه بإذن الإمام عليه السّلام، و صدّقه و حسّن عمله هذا و قال: «قد تبعك رسول اللّه» فقد أفاد كلاهما أنّ نصيب الإمام من غنيمة غزو ليس بأمر الإمام و لا إذنه خمسها لا كلّها. فهذه الرواية و تلك الروايات تدلّ على الخلاف.

أقول: إنّ دلالة هذه الرواية على المدّعى واضحة إلّا أنّ سند التفسير ضعيف غير قابل للاعتماد عليه فلا حجّة فيه. و أمّا سائر الأخبار فغاية ما فيها تحليل نصيبهم من الفي‏ء للشيعة 2 و هو يجتمع مع أن يكون نصيبهم منه جميع الغنيمة كما لا يخفى.

 

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)
محتوای بیشتر در این بخش: « قسمة3 قسمة5 »

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید