الدرس‌ السابع‌ عشر

الدرس‌ السابع‌ عشر:

 بحث‌ تفصيلي‌ّ حول‌ الحديث‌ الوارد في‌ «الاحتجاج‌»

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

 

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ

يمكن‌ لاي‌ّ شخص‌ أن‌ يشخّص‌ علماء السوء بإدراكه‌ الوجداني‌ّ و...

 ذكرنا أنَّ الإمام جعفر الصادق‌ علیه السلام‌ أجاب‌ ذلك‌ السائل‌ بأنـّه‌ يوجد بين‌ عوامّنا وعلمائنا وعوامّ اليهود وعلمائهم‌ فرق‌ من‌ جهة‌ وتسوية‌ من‌ جهة‌ أُخري‌.

 أمّا في‌ الجهة‌ التي‌ يتساوون‌ فيها فذمّ الله‌ تعالي‌ شامل‌ لتقليد عوامّنا لعلمائهم‌ أيضاً. فهذا لا يعني‌ أنَّ الذمّ لا يشمل‌ عوامّنا بينما عوامّهم‌ محلّ لذلك‌ الذمّ.

 قَالَ: بَيِّنْ لي‌ يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ!

 يقول‌ الراوي‌ للإمام‌ علیه السلام‌: بيّن‌ لي‌ هذا الامر ووضّحه‌، فما هو المناط‌ في‌ جهتي‌ الاختلاف‌ والتساوي‌؟ وما هو الدليل‌ علی ذلك‌؟

 قَالَ عَلَیهِ السَّلاَمُ: إنَّ عَوَامَّ اليَهُودِ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عُلَمَاءَهُمْ بِالكِذْبِ الصَّرَاحِ، وَبِأَكْلِ الحَرَامِ وَالرُّشَاءِ، وَبِتَغْيِيرِ الاَحْكَامِ عَنْ وَاجِبِهَا بِالشَّفَاعَاتِ وَالعِنَايَاتِ وَالمُصَانَعَاتِ.

 وكمثال‌ علی ذلك‌ يشفع‌ البعض‌ عند العالم‌ فيقوم‌ من‌ ناحيته‌ بتغيير حكم‌ الله‌ تعالي‌ لاجل‌ هذه‌ الشفاعة‌ والتوصيات‌، ويلجأ إلی سحق‌ الحقّ وتغييره‌، بسبب‌ اهتمامه‌ وعنايته‌ بخواصّه‌ وأقربائه‌ وقومه‌ وأصدقائه‌ من‌ خلال‌ المصانعات‌ والاتّفاقات‌ والالاعيب‌ الحاصلة‌، وكان‌ العوامّ يفهمون‌ ما يقوم‌ به‌ علماؤهم‌.

 وَعَرَفُوهُمْ بِالتَّعَصُّبِ الشَّدِيدِ الَّذِي‌ يُفَارِقُونَ بِهِ أَدْيَانَهُمْ.

 فكان‌ العوامّ علی علم‌ بأنانيّة‌ علمائهم‌ وتعصّبهم‌ وشعورهم‌ بالذات‌ بنحوٍ أبعدهم‌ ـباتّباعهم‌ التعصّب‌، والمحوريّة‌، والإحساس‌ بالذات‌، وعدم‌التنازل‌ عمّا باتوا علیهعن‌ الاحكام‌ الواردة‌ في‌ كتابهم‌ ودينهم‌، وانفصلوا عن‌ الدين‌، فلم‌ يعودوا قادرين‌ علی العمل‌ بأحكام‌ الدين‌ بسبب‌ ذلك‌ التعصّب‌ والاستبداد الفكري‌ّ والنفسي‌ّ.

 وَأَنَّهُمْ إذَا تَعَصَّبُوا أَزَالُوا حُقُوقَ مَنْ تَعَصَّبُوا عَلَیهِ  وأَعْطَوْا مَا لاَيَسْتَحِقُّهُ مَنْ تَعَصَّبُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِ غَيْرِهِمْ وَظَلَمُوهُمْ مِنْ أَجْلِهِمْ. وَعَرَفُوهُمْ يُقَارِفُونَ المُحَرَّمَاتِ.

 وَاضْطَرُّوا بِمَعَارِفِ قُلُوبِهِمْ إلَی أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يَفْعَلُونَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ، لاَيَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَی اللَهِ، وَلاَ عَلَی الوَسَائِطِ بَيْنَ الخَلْقِ وَبَيْنَ اللَهِ.

 فيا لهذه‌ الجملة‌ من‌ تعبير: «وَاضْطَرُّوا بِمَعَارِفِ قُلُوبِهِمْ إلَی أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يَفْعَلُونَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ»! وهذه‌ أكبر حجّة‌ وضعها الله‌ في‌ قلب‌ الإنسان‌، بحيث‌ يجد كلّ إنسان‌ بباطنه‌ ووجدانه‌ وبمعرفته‌ الباطنيّة‌ وبنظره‌ وإدراكه‌ العميق‌ الذي‌ لا يوجد بينه‌ وبين‌ الله‌ أدقّ منه‌ وأصحّ، أنَّ فلاناً مثلاً يكذب‌، وفلاناً الآخر يصدق‌، ففي‌ الوقت‌ الذي‌ يدرك‌ الإنسان‌ ذلك‌، فَلِمَ يتبع‌ من‌ هو ليس‌أهلاً للاتّباع‌؟

 بناءً علی هذا، فلا ينبغي‌ للإنسان‌ أن‌ يعتبر عوامّ اليهود أبرياء، ويقول‌: إنَّ هؤلاء عوامّ، والعامّي‌ إنَّما يتبع‌ عالمه‌، وينصاع‌ لكلّ ما يقوله‌ العالم‌، فما هو تقصيرهم‌ في‌ الامر؟ لا؛ فليس‌ هذا الكلام‌ صحيحاً.

 فتقصير العوامّ هو في‌ اتّباعهم‌ لهذا العالم‌، إذ صحيح‌ أنَّ ذلك‌ العالم‌ تكلّم‌ ووعظ‌ ودرّس‌، ولكن‌ عندما رأيته‌ بإدراكك‌ الباطني‌ّ والقلبي‌ّ أنـّه‌ يعمل‌ بخلاف‌ كتاب‌ الله‌ والسنّة‌، ويكذب‌ بشكل‌ صريح‌، ويتساهل‌ في‌ الاُمور، ويدعم‌ الاشخاص‌ الذين‌ هم‌ من‌ أتباعه‌، فيمنحهم‌ المال‌ الكثير، ويحترمهم‌، بينما يضيّع‌ حقوق‌ الآخرين‌ ولا يهتمّ بهم‌، ويدينهم‌ في‌ أحكامه‌، ويحطّ من‌ وزنهم‌ الاجتماعي‌ّ، أو سمعته‌ يكذب‌ ويبرّر كذبه‌ بحجّة‌ مصالح‌ معيّنة‌، ومع‌ ذلك‌ تراه‌ يأكل‌ الحرام‌، وظاهره‌ يخالف‌ باطنه‌.

 فإذا أدرك‌ الإنسان‌ هذا الامر في‌ باطنه‌، فهل‌ تبقي‌ له‌ حجّة‌ إلهيّة‌ للذهاب‌ إلی ذلك‌ العالم‌؟! فالذهاب‌ إليه‌ خطأ بَيِّنٌ.

 الرجوع الي الفهرس

للّه‌ حجّتان‌: حجّة‌ ظاهرة‌: الانبياء والائمّة‌، وحجّة‌ باطنة‌: العقل‌

 وهذه‌ الحجّة‌ الباطنيّة‌ التي‌ ذكرها الإمام موسي‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌ في‌ تلك‌ الرواية‌ المعروفة‌، من‌ أنَّ للّه‌: حجّة‌ باطنة‌ وحجّة‌ ظاهرة‌. فالحجّة‌ الباطنة‌ العقول‌، والحجّة‌ الظاهرة‌ الانبياء والائمّة‌ [7]. وما لم‌تستعمل‌ الحجّة‌ الباطنة‌ فإنَّ الحجّة‌ الظاهرة‌ لا تستعمل‌ أيضاً. وما لم‌ يعرف‌ عقل‌ الإنسان‌ النبي‌ّ باعتباره‌ نبيّاً فإنَّه‌ لا ينصاع‌ إليه‌. فإنَّما تكون‌ كلمات‌ الحجّة‌ الظاهرة‌ ـ النبي‌ّـ مؤثّرة‌ في‌ حال‌ قبول‌ عقل‌ الإنسان‌، وارتضاء وجدانه‌. فجميع‌ الحجج‌ ترجع‌ إذَن‌ إلی العقل‌ والإدراک. فإذا لم‌ يكن‌ للإنسان‌ عقل‌ وإدراك‌ فلا يتمكّن‌ من‌ التمييز بين‌ النبي‌ّ الحقيقي‌ّ ومدّعي‌ النبوّة‌ الكاذب‌، بين‌ النبي‌ّ والمتنبّي‌. فالجميع‌ يدّعي‌ النبوّة‌ وكلّهم‌ يخطبون‌ ويأتون‌ الناس‌ بالكتب‌ ويقيمون‌ الاستدلالات‌ ويتحدّثون‌ بحماسٍ وانفعال‌ ويوردون‌ الخطب‌؛ فمن‌ أين‌ يفهم‌ الإنسان‌ أنَّ هذا صحيح‌ وذاك‌ باطل‌؟ إنَّما يكون‌ ذلك‌ بواسطة‌ تلك‌ الحجّة‌ الباطنيّة‌ والنظر القلبي‌ّ الذي‌ يتساوي‌ فيها جميع‌ الافراد، العالم‌ والجاهل‌، العوامّ والعلماء. فجميع‌ الناس‌ متساوون‌ في‌ هذه‌ الجهة‌، وقد وهبهم‌ الله‌ تعالي‌ إدراكاً باطنيّاً وتفكيراً عميقاً يستطيعون‌ بواسطته‌ أن‌ يزنوا جميع‌ إدراكاتهم‌ وعلومهم‌ التي‌ تعرض‌ علی هم‌ من‌ الخارج‌، ويميّزون‌ بهما بين‌ الحقّ والباطل‌.

 فليس‌ بإمكان‌ جميع‌ العوامّ ـالذين‌ جذبهم‌ علماء السوء إليهم‌ـ أن‌ يقولوا للّه‌ سبحانه‌ يوم‌ القيامة‌ بأنـّهم‌ لم‌ يكونوا يعلمون‌، وأنَّ عيونهم‌ لم‌تكن‌ مفتوحة‌، وأنـّهم‌ كانوا أُمّيّين‌، وليس‌ بإمكانهم‌ تشخيص‌ الكلام‌ إن‌ كان‌ فارسيّاً أو عربيّاً أو أجنبيّاً، ولم‌ يكونوا يعرفون‌ أوّل‌ الكتاب‌ من‌ آخره‌، وإنَّ هؤلاء قد أمسكوا بزمامهم‌ وساروا بهم‌ حيث‌ يريدون‌. فعبارة‌ الإمام: وَاضْطَرُّوا بِمَعَارِفِ قُلُوبِهِمْ إلَی أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يَفْعَلُونَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ. قد وضعت‌ خاتمة‌ لذلك‌ الغرور والفرح‌ المزيّف‌.

 أي‌ أنَّ الإدراک الباطني‌ّ والنظر القلبي‌ّ الذي‌ تنطوي‌ علیهصدورهم‌ ليس‌أمراً اختياريّاً، بل‌ جبلّة‌ طبعت‌ علی الجميع‌، كما لو فتح‌ الإنسان‌ عينه‌ فبمجرّد أن‌ يفتحها فسوف‌ يبصر ولا يتمكّن‌ من‌ أن‌ يري‌ ـوهو في‌ تلك‌ الحال‌ـ حتّي‌ وإن‌ طلبت‌ منه‌ أن‌ يري‌. وهذا من‌ لطف‌ ومحبّة‌ وجلالة‌ وعظمة‌ الله‌ تعالي‌ بأن‌ أعطي‌ الإنسان‌ قوّة‌ أعلي‌ من‌ جميع‌ العلوم‌ ومن‌ جميع‌ الإدراكات‌، وعجنها في‌ خلقة‌ وجوده‌، فهي‌ لا تنفصل‌ عنه‌ حتّي‌ في‌ منامه‌، ولاتفارقه‌ في‌ يقظته‌، فهو يسير بمعارف‌ القلوب‌ هذه‌.

 فعندما يري‌ هؤلاء العوامّ أنَّ علماء اليهود يكذبون‌ بشكل‌ صريح‌، ويميلون‌ مع أقربائهم، ويتعصّبون‌ علی من لا يُبدي لهم الحُسني، ويضيّعون‌ حقّه‌، ويحكمون‌ علیهفي‌ محاكماتهم‌، ويقطعون‌ نصيبه‌ وغير ذلك‌ من‌ الاعمال‌ التي‌ يقومون‌ بها، فَلِمَ يتّبعونهم‌ ويقلّدونهم‌؟ فأُولئك‌ العوامّ ـوالحال‌ هذه‌ـ مُدانون‌، ولا حجّة‌ لديهم‌ عند الله‌ تعالي‌.

 فَلِذَلِكَ ذَمَّهُمْ لِمَا قَلَّدُوا مَنْ قَدْ عَرَفُوهُ؛ وَمَنْ قَدْ عَلِمُوا أَنـَّهُ لاَيَجُوزُ قَبُولُ خَبَرِهِ وَلاَ تَصْدِيقُهُ فِي‌ حِكَايَتِهِ، وَلاَ العَمَلُ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ عَمَّنْ لَمْيُشَاهِدُوهُ؛ ( لانَّ الإشكال‌ واقع‌ في‌ الواسطة‌؛ والماء قد تلوَّث‌ وتعفّن‌ في‌ ضمن‌ الطريق‌ ) وَوَجَبَ عَلَیهِ مُ النَّظَرُ بِأَنْفُسِهِمْ فِي‌ أَمْرِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ عَلَیهِ  وَآلِهِ إذْ كَانَتْ دَلاَئِلُهُ أَوْضَحَ مِنْ أَنْ تَخْفَي‌، وَأَشْهَرَ مِنْ أَنْ لاَتَظْهَرَ لَهُمْ.

 فعندما رأي‌ العوامّ أنَّ علماءهم‌ بهذا النحو، واضطرّوا بمعارف‌ قلوبهم‌ وبالحكم‌ الوجداني‌ّ العقلي‌ّ أن‌ يروا فسقهم‌ والحكم‌ بعدم‌ قبول‌ خبرهم‌ وخيانتهم‌ في‌ أموالهم‌؛ فكان‌ علی هم‌ ـ والحال‌ هذه‌ـ أن‌ يقصدوا هذا النبي‌ّ ليروا ما الذي‌ يقوله‌.

 فإذا ذهبوا إلی النبي‌ّ ورأوا دلائله‌ واضحة‌، وأدلّته‌ وحججه‌ بدرجة‌ أعلي‌ وأشدّ من‌ مرتبة‌ الإتقان‌ وأوضح‌ من‌ أن‌ تخفي‌، وأشهر من‌ أن‌ لاتظهر لهم‌، فعندئذٍ سوف‌ يقبلون‌ أمره‌.

 ولذا فهم‌ يذهبون‌ يوم‌ القيامة‌ إلی جهنّم‌، بعد أن‌ يقال‌ لهم‌: كان‌ الطريق‌ إلی رسول‌ الله‌ مهيّاً، والادلّة‌ قد بُيّنت‌ بوضوح‌ من‌ قبل‌ رسول‌الله‌، فَلِمَ اتّبعتم‌ أُولئك‌ العلماء تَعَصُّباً لِلحَمِيَّةِ الْجاهِليَّةِ، وَلِلإدْراكاتِ الحَمْقانيَّة‌، وبقيتم‌ بتلك‌ الجهالة‌ والبربريّة‌؟ هذا فيما يتعلّق‌ باليهود.

 وَكَذَلِكَ عَوَامُّ أُمَّتِنَا إذَا عَرَفُوا مِنْ فُقَهَائِهِمُ الفِسْقَ الظَّاهِرَ، وَالعَصَبِيَّةَ الشَّدِيدَةَ، وَالتَّكَالُبَ عَلَی حُطَامِ الدُّنْيَا وَحَرَامِهَا، وَإهْلاَكَ مَنْ يَتَعَصَّبُونَ عَلَیهِ  وَإنْ كَانَ لإصْلاَحِ أَمْرِهِ مُسْتَحِقّاً، وَبِالتَّرَفْرُفِ بِالبِرِّ وَالإحْسَانِ عَلَی مَنْ تَعَصَّبُوا لَهُ وَإنْ كَانَ لِلإذْلاَلِ والإهَانَةِ مُسْتَحِقّاً.

 وكذلك‌ عوامّ أُمّتنا إذا رأوا من‌ فقهائهم‌ الفسق‌ الظاهر، والاستكبار، والاستبداد، والتشبّث‌ بالرأي‌ والاستبداد الفكري‌ّ في‌ أمر من‌ الاُمور ممّا لايتلائم‌ مع‌ أساس‌ الدين‌، ورأوا تكالبهم‌ علی حطام‌ الدنيا والحرام‌ ( التكالب‌: تشبيه‌ لحال‌ الكلاب‌ حين‌ ترمي‌ أنفسها علی جيفة‌، ويتسارع‌ الجميع‌ في‌ محاولة‌ أخذها، وينتهي‌ ذلك‌ بالتنازع‌ علی تلك‌ الجيفة‌ ) ورأوا أنَّ هؤلاء الفسقة‌ يتنازعون‌ علی حطام‌ الدنيا، فهذا لاجل‌ الرئاسة‌، وذاك‌ لهدف‌ آخر، وخلاصة‌ الامر: يظهرون‌ تعصّبهم‌ وتكالبهم‌ بصور مختلفة‌، وإذا علموا من‌ فقهائهم‌ أنـّهم‌ يسحقون‌ كلّ مَن‌ لا ينسجم‌ معهم‌ في‌ نهجه‌ ويقضون‌ علی من‌ كانت‌ علاقته‌ بهم‌ سيّئة‌ في‌ جميع‌ شؤونه‌ وإن‌ كان‌ يستحقّ أن‌ يصلحوا أمره‌ برعايته‌ والحفاظ‌ علیهمن‌ كلّ الجهات‌، لكنّهم‌ لايعملون‌ بالبرّ والإحسان‌ إلاّ بمن‌ ارتبط‌ بهم‌ وأيّدهم‌، فيوفّرون‌ لهم‌ كلّ ما يريدون‌ بشكل‌ متواصل‌ وإن‌ كانوا ممّن‌ لا يستحقّ ذلك‌، أي‌ ممّن‌ وجب‌ علی هم‌ الطرد والإبعاد والمحاسبة‌!

 فَمَنْ قَلَّدَ مِنْ عَوَامِّنَا مِثلْ هَؤُلاَءِ الفُقَهَاءِ، فَهُمْ مِثْلُ اليَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُاللَهُ بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ فُقَهَائِهِمْ.

 الرجوع الي الفهرس

بحث‌ في‌ مفاد: فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ: صَائِناً لِنَفْسِهِ...

 فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ: صَائِناً لِنَفْسِهِ ( مَن‌ قيّد نفسه‌ وعصمها وصانها، ومنعها من‌ أن‌ تتجرّأ علی كسر ذلك‌ القيد، أو الخروج‌ من‌ حدود تلك‌ الحصانة‌ )، حَافِظاً لِدِينِهِ، مُخَالِفاً عَلَی هَوَاهُ، مُطِعياً لاِمْرِ مَوْلاَهُ، فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ. وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لاَجَمِيعَهُمْ.

 فَإنَّهُ مَنْ رَكِبَ مِنَ القَبَائِحِ وَالفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ فَسَقَهِ العَامَّةِ فَلاَتَقْبَلُوا مِنَّا عَنْهُ شَيْئاً وَلاَ كَرَامَةَ.

 وَإنَّمَا كَثُرَ التَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهْلَ البَيْتِ لِذَلِكَ.

 الرجوع الي الفهرس

مَن‌ يتلاعب‌ في‌ كلام‌ الائمّة‌ لاغراض‌ مختلفة‌

 من‌ المؤسف‌ جدّاً والمؤثّر أنَّ غالبيّة‌ ما يأخذه‌ هؤلاء الفقهاء، منّا أهل‌ البيت‌ يخلطونه‌ ويمزجونه‌ بمطالب‌ باطلة‌، وينشرونه‌ بين‌ الناس‌ ويعلّمونه‌ لهم‌، فهم‌ يسمعون‌ الحقّ منّا، ويدرسون‌ في‌ مدرستنا، ويصبحون‌ علماء، لكنّهم‌ يظهرون‌ للناس‌ شيئاً آخر، ويتوهّم‌ الناس‌ أنَّ ذلك‌ قولنا.

 فيضيع‌ أُولئك‌ الناس‌ ـ لانـّهم‌ اضطرّوا بمعارف‌ قلوبهم‌ ألاّ يقبلوا شيئاً من‌ هؤلاء الفقهاء الفسقة‌، لكنّهم‌ قبلوا منهم‌ـ ويضيع‌ أُولئك‌ الفقاء الفسقة‌ أيضاً، لانـّهم‌ يأتون‌ إلينا ويدرسون‌ عندنا، ويأخذون‌ منّا الحديث‌ والروايات‌ والعلم‌، ثمّ يذهبون‌ فيضيفون‌ أشياء من‌ عند أنفسهم‌، ويقومون‌ بالتحريف‌ والتصحيف‌ والزيادة‌ والنقصان‌، ممّا يؤدّي‌ إلی تضييع‌ قلوبهم‌، وإسقاط‌ اعتبارنا عند الناس‌.

 ما هو ذنبنا؟ فنحن‌ أئمّة‌ الناس‌، وكانت‌ جميع‌ ساعات‌ ودقائق‌ عمرنا تمضي‌ بالنحو الاتمّ والاكمل‌، وليس‌ في‌ كلامنا خلاف‌ الحقّ وإن‌ تكلّمنا في‌ حال‌ النوم‌، فلماذا يأتي‌ هؤلاء لاخذ المسائل‌ منّا ثمّ يضيفون‌ إليها شيئاً من‌ عند أنفسهم‌، ويقولون‌: قالَ الصادق‌؟! إنَّهم‌ بأعمالهم‌ هذه‌ إنَّما يضيّعوننا عند العدوّ والصديق‌.

 أمَّا شيعتنا من‌ أهل‌ التسليم‌، فعندما يسمعون‌ هذه‌ المطالب‌ يقولون‌ بألم‌: ليس‌ من‌ حيلة‌، وعلينا تقليد الصادق‌ علیه السلام‌ واتّباعه‌، بينما يُسرّ العدوّ عندما يري‌ ترشّح‌ هذه‌ المطالب‌ بواسطة‌ فقهاء من‌ طلاّب‌ الائمّة‌ علیهم السلام‌، علی الرغم‌ من‌ كون‌ الائمّة‌ معصومين‌ ومنزّهين‌ ومطهّرين‌ ولايصدر منهم‌ شي‌ء مخالف‌ للحقّ، ولذا ظهر في‌ كلام‌ الإمام علیه السلام‌ التأثّر الشديد بقوله‌: وَإنَّمَا كَثُرَ التَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهلَ البَيْتِ لِذَلِكَ.

 وعليه‌، فالعلماء الذين‌ يأخذون‌ عن‌ الائمّة‌ علیهم السلام‌ ليوصلوا ذلك‌ إلی الناس‌ بصفتهم‌ من‌ علماء الشيعة‌، علی ثلاث‌ طوائف‌.

 لاِنَّ الفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُونَ عَنَّا فَيُحَرِّفُونَهُ بِأَسْرِهِ بِجَهْلِهِمْ وَيَضَعُونَ الاَشْيَاءَ عَلَی غَيْرِ وَجْهِهَا، لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ.

 فبعض‌ هؤلاء العلماء: الفسقة‌، الذين‌ كان‌ فسقهم‌ بسبب‌ كذبهم‌ وتغييرهم‌ وتحريفهم‌، فإنَّهم‌ لم‌ يكونوا معاندين‌ وسيّئي‌ السريرة‌، لكنّهم‌ جاهلون‌ من‌ خلال‌ تحريفهم‌ كلامنا، وبثّ ذلك‌ بين‌ الناس‌، فبسبب‌ قلّة‌ معرفتهم‌ يضعون‌ الاشياء في‌ غير موضعها.

 فهم‌ طائفة‌ من‌ أُولئك‌ الفسّاق‌ الذين‌ سدّوا طريق‌ العوامّ إلی الله‌ بسبب‌ تحريفهم‌ وكذبهم‌.

 وَآخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ الكِذْبَ عَلَی نَا لِيَجُرُّوا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا مَا هُوَ زَادُهُمْ إلَی نَارِ جَهَنَّمَ.

 والطائفة‌ الاُخري‌ من‌ أُولئك‌ العلماء الفسقة‌: هم‌ ممّن‌ يكذبون‌ علی الائمّة‌ علیهم السلام‌ عمداً، لا لجهل‌ ونقص‌ وقلّة‌ معرفة‌، بل‌ يكذبون‌ عن‌ قصد وتعمّد ليتوصّلوا إلی متاع‌ الدنيا بهذا الكذب‌، ويحملون‌ معهم‌ زادهم‌ إلی نار جهنّم‌.

 فهم‌ يرون‌ مثلاً أنَّ الجهاز الحاكم‌ يرضي‌ باجتراء الكذب‌ الفلاني‌ّ علی نا، فيسارعون‌ إلی اختلاق‌ خبر فينسبوه‌ إلينا طمعاً في‌ عَرَض‌ الدنيا من‌ رئاسة‌، أو نيل‌ مقام‌، أو الوصول‌ إلی مركز أو منصب‌ في‌ جهاز الخلافة‌.

 وَمِنْهُمْ قَوْمٌ (نُصَّابٌ) لاَ يَقْدِرُونَ عَلَی القَدْحِ فِينَا، يَتَعَلَّمُونَ بَعْضَ عُلُومِنَا الصَّحِيحَةِ فَيَتَوَجَّهُونَ بِهِ عِنْدَ شِيعَتِنَا؛ وَيَنْتَقِصُونُ بِنَا عِنْدَ نُصَّابِنَا، ثُمَّ يُضِيفُونَ إلَيْهِ أَضْعَافَ وَأَضْعَافَ أَضْعَافِهِ مِنَ الاَكَاذِيبِ عَلَی نا الَّتِي‌ نَحْنُ بُرَاءُ مِنْهَا، فَيَتَقَبَّلُهُ المُسْتَسْلِمُونَ مِنْ شِيعَتِنَا، عَلَی أَنـَّهُ مِنْ عُلُومِنَا. فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.

 والطائفة‌ الثالثة‌: جماعة‌ من‌ هؤلاء العلماء الفسقة‌، ممّن‌ هم‌ أعداؤنا ( إنَّهم‌ حقّاً أعداء قد ظهروا بصورة‌ الشيعة‌، فهم‌ علماء، ورواة‌ أحاديث‌ ولكنّهم‌ في‌ الواقع‌ أعداؤنا، ولا يرتبطون‌ بنا باطنيّاً، ولا يرتضون‌ نهجنا وطريقتنا ) وهم‌ أُناس‌ لا يقدرون‌ أن‌ يقدحوا في‌ عملنا، أو يقعوا علی عيب‌ فينا ليبيّنوه‌ للناس‌، لذا فهم‌ يأتون‌ إلينا ويتعلّمون‌ بعض‌ علومنا الصحيحة‌ هذه‌، ثمّ يتوجّهون‌ إلی شيعتنا ـبسبب‌ تتلمذهم‌ وتعلّمهم‌ عندنا أهل‌ البيت‌ـ فيصبحون‌ من‌ ذوي‌ الاعتبار والوجاهة‌ والمقام‌ والمنزلة‌، فيستغلّون‌ هذا الموقع‌ في‌ الانتقاص‌ من‌ منزلتنا وإسقاطهما عند النصّاب‌ ( لانَّ أعداءنا سيقولون‌: هذا تلميذ الصادق‌ علیه السلام‌ فهو يكشف‌ عن‌ حقيقة‌ الصادق‌ أيضاً، فإن‌ كان‌ التلميذ بهذا النحو، يعلم‌ أنَّ العيب‌ في‌ تلك‌ المدرسة‌ التي‌ درس‌ فيها ).

 وعندها يضيفون‌ إلی بعض‌ علومنا، أَضْعَافَ وَأَضْعَافَ أَضْعَافِهِ مِنَ الاَكَاذِيبِ؛ التي‌ نتنفّر منها ( فلا نحن‌ ولا أحاسيسنا، ولا عقولنا، تجد طريقاً إلی تلك‌ الاكاذيب‌ ).

 ويعطون‌ الناس‌ ذلك‌ بعنوان‌ « قال‌ الصادق‌ » وعندها، يتقبّل‌ بعض‌ المستضعفين‌ ـ من‌ شيعتناـ ممّن‌ هم‌ من‌ أهل‌ التسليم‌ والإطاعة‌ والسلامة‌، فيأخذونها علی أنـّها من‌ علومنا! فبالإضافة‌ إلی ضلال‌ هذه‌ الطائفة‌ من‌ العلماء فهم‌ مضلّون‌ لجماعة‌ من‌ الشيعة‌.

 وَهُمْ أَضَرُّ عَلَی ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا مِنْ جَيْشِ يَزِيدَ عَلَی الحُسَيْنِبْنِ علی ‌ٍّ عَلَیهِ  السَّلاَمُ وَأَصْحَابِهِ فَإِنَّهُمْ يَسْلُبُونَهُمُ الاَرْوَاحَ وَالاَمْوَالَ.

 وَهَؤُلاَءِ عُلَمَاءُ السُّوءِ، النَّاصِبُونَ، الْمُتَشَبِّهُونَ بِأَنَّهُمْ لَنَا مُوَالُونَ، وَلاِعْدَائِنَا مُعَادُونَ، وَيُدْخِلُونَ الشَّكَّ وَالشُّبْهَةَ عَلَی ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا، فَيُضِلُّونَهُمْ وَيَمْنَعُونَهُمْ عَنْ قَصْدِ الحَقِّ المُصِيبِ.

 لاَ جَرَمَ أَنَّ مَنْ عَلِمَ اللَهُ مِنْ قَلْبِهِ مِنْ هَؤُلاَءِ القَوْمِ أَنـَّهُ لاَ يُرِيدُ إلاَّ صِيَانَةَ دِينِهِ وَتَعْظِيمَ وَلِيِّهِ، لَمْ يَتْرُكْهُ فِي‌ يَدِ هَذَا المُتَلَبِّسِ الكَافِرِ، وَلَكِنَّهُ يُقَيِّضُ لَهُ مُؤْمِناً يَقِفُ بِهِ عَلَی الصَّوَابِ، ثُمَّ يُوَفِّقُهُ اللَهُ لِلْقَبُولِ مِنْهُ، فَيَجْمَعُ اللَهُ لَهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ وَيَجْمَعُ عَلَی مَنْ أَضَلَّهُ لَعْناً فِي‌ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الآخِرَةِ.

 فبما أنَّ الله‌ متّصف‌ باللطف‌ والرحمة‌، ويعلم‌ أنَّ بعض‌ ضعفاء شيعتنا لايجدون‌ طريقاً لإدراك‌ الواقع‌، وقد ابتلوا بالوقوع‌ بأيدي‌ علماء كهؤلاء، فلاجرم‌ إذا كانوا في‌ داخل‌ قلوبهم‌ يهدفون‌ نحو الواقع‌، ويرون‌ أنفسهم‌ عاجزين‌، فإنَّ الله‌ تعالي‌ سيهيّي‌ أحد رجال‌ الحقّ لهدايتهم‌ كي‌ يخرجهم‌ من‌ قبضة‌ أُولئك‌ العلماء الفسقة‌، ويدلّهم‌ علی طريق‌ الحقّ المصيب‌.

 وبناءً علی هذا، فالله‌ تعالي‌ لا يترك‌ أُولئك‌ ـالطالبين‌ للحقّ والهادفين‌ لحفظ‌ دينهم‌ وتعظيم‌ أوليائهم‌ـ بأيدي‌ ذلك‌ المتلبّس‌ الكافر، الذي‌ هو من‌ أهل‌ التدليس‌ والتلبيس‌ والخداع‌ فحسب‌، بل‌ ويستنقذهم‌ ويهيّي‌ لهم‌ مؤمناً يهديهم‌ إلی طريق‌ الصواب‌، كما ويوفّقهم‌ لقبول‌ قول‌ ذلك‌ الولي‌ّ الحقّ.

 وعليه‌، فإنَّ الله‌ تعالي‌ يجمع‌ لهؤلاء الشيعة‌ خير الدنيا والآخرة‌ ( أمّا خير الدنيا فلانـّه‌ قد دلّهم‌ علی الطريق‌ لكي‌ ينجوا من‌ قبضة‌ العدوّ المتظاهر والمتجاوز، والمتلبّس‌ والكافر. وأمّا خير الآخرة‌ فلانـّهم‌ قد وصلوا إلی حقيقة‌ الولاية‌ وتحرّكوا بهذا المنهج‌ الصحيح‌ نحو الفوز والرضوان‌ في‌ دار الآخرة‌ ).

 ويجمع‌ الله‌ تعالي‌ لذلك‌ المضلّ لهؤلاء الشيعة‌ لعنة‌ الدنيا وعذاب‌ الآخرة‌. ففي‌ الدنيا قد لعنهم‌ في‌ قرآنه‌ المجيد، وستكون‌ عاقبة‌ عمله‌ عذاباً ينتظره‌ في‌ الآخرة‌، لانـّه‌ قد سدّ علی مؤمنٍ الطريق‌ إلی الله‌، لقد أراد هذا المؤمن‌ السير إلی الله‌، ولم‌ تصل‌ يده‌ إلی ولي‌ّ الله‌ وإلي‌ الهادي‌ الحقيقي‌ّ فبقي‌ متحيّراً إلی أن‌ يوكل‌ نفسه‌ إلی الله‌ ليعالج‌ أمره‌، لكنَّ هذا العالِم‌ الفاسق‌ أتاه‌ وسدّ علیهالطريق‌ من‌ خلال‌ إلقاء الشكّ والشبهة‌ والإخبار بخلاف‌ الواقع‌ فابتلي‌ قلبه‌ بالتريد والتزلزل‌. فيستحقّ ذلك‌ العالم‌ اللعن‌ وعذاب‌ الآخرة‌.

 إلی هنا ينتهي‌ كلام‌ الإمام الصادق‌ علیه السلام‌. ومن‌ ثمّ يستشهد علی كلامه‌ بشاهدين‌: الاوّل‌ بكلام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌، والآخر بكلام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌.

 ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ: «أَشْرَارُ عُلَمَاءِ أُمَّتِنَا: المُضِلُّونَ عَنَّا، القَاطِعُونَ لِلطُّرُقِ إلَيْنَا، المُسَمُّونَ أَضْدَادَنَا بِأَسْمَائِنَا ( يعطونهم‌ عناوين‌ الخليفة‌ وأمير المؤمنين‌ والحاكم‌ وولي‌ّ الامر وعنوان‌ الإمام المتسلّط‌ )، المُلَقِّبُونَ أَنْدَادَنَا بِأَلْقَابِنَا، يُصَلُّونَ عَلَیهِ مْ وَهُمْ لِلَّعْنِ مُسْتَحِقُّونَ؛ وَيَلْعَنُونَنَا وَنَحْنُ بِكَرَامَاتِ اللَهِ مَغْمُورُونَ وَبِصَلَوَاتِ اللَهِ وَصَلَوَاتِ مَلاَئِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ عَلَی نَا عَنْ صَلَوَاتِهِمْ عَلَی نَا مُسْتَغْنُونَ».

 ثُمَّ قَالَ: قِيلَ لاِمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَیهِ  السَّلاَمُ: مَنْ خَيْرُ خَلْقِ اللَهِ بَعْدَ أَئِمَّةِ الهُدَي‌ وَمَصَابِيِحِ الدُّجَي‌؟ قَالَ: «العُلَمَاءُ إذَا صَلُحُوا».

 قِيلَ: فَمَنْ شِرَارُ خَلْقِ اللَهِ بَعْدَ إبْلِيسَ وَفِرْعَونَ وَنَمْرُودَ، وَبَعْدَ المُتَسَمِّينَ بِأَسْمَائِكُمْ، وَالمُتَلَقِّبِينَ بِأَلْقَابِكُمْ، وَالآخِذِينَ لاِمْكِنَتِكُمْ، وَالمُتَأَمِّرِينَ فِي‌ مَمَالِكِكُمْ؟! قَالَ: العُلَمَاءُ إذَا فَسَدُوا.

 هُمُ المُظْهِرُونَ لِلاَبَاطِيلِ، الكَاتِمُونَ لِلْحَقَائِقِ؛ وَفِيهِمْ قَالَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ: أُولَ'´ءِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَـ'عِنُونَ ـ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا ] وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَ'´ءِكَ أَتُوبُ عَلَیهِ مْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [.[8] و[9]

 ينقل‌ شيخ‌ الفقهاء الشيخ‌ مرتضي‌ الانصاري‌ّ رحمة‌ الله‌ علیهشيئاً من‌ هذه‌ الرواية‌ الشريفة‌، ويعترف‌ أنَّ هذا الخبر الشريف‌ ـالذي‌ تظهر منه‌ آثار الصدق‌ـ يدلّ علی قبول‌ قوله‌ من‌ عُرِفَ بِالتَّحَرُّزِ عَنِ الكِذْبِ؛ وإنْ كانَ ظاهِرُهُ اعْتِبارَ العِدالَةِ بَلْ ما فَوْقَها.

 أي‌ أنَّ هذا الخبر الذي‌ تظهر منه‌ آثار الصدق‌ ( فقد بيّنا أنـّه‌ من‌ « التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌ »، وهناك‌ كلام‌ كثير حول‌ صحّة‌ وسقم‌ الروايات‌ الواردة‌ فيه‌. لكنَّ آثار الصدق‌ في‌ هذا الخبر بالخصوص‌ مشهودة‌، مع‌ ما فيه‌ من‌ المضامين‌ العالية‌ والمعاني‌ الراقية‌. ) يدلّ علی وجوب‌ قبول‌ الإنسان‌ قولَ من‌ يتحرّز عن‌ الكذب‌، وإن‌ كان‌ ظاهره‌ اعتبار العدالة‌، بل‌ ما فوق‌ العدالة‌. فيجب‌ علی الفقهاء أن‌ تكون‌ لديهم‌ ملكة‌ فوق‌ العدالة‌، لانـّهم‌ مراجع‌ تقليد للناس‌ وزمام‌ أُمورهم‌ بأيديهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

النتيجة‌ المستفادة‌ من‌ الرواية‌، ملكة‌ ما فوق‌ العدالة‌

 قال‌ سيّد الفقهاء الكرام‌ السيّد محمّد كاظم‌ الطباطبائي‌ّ اليزدي‌ّ، في‌ « العُروَة‌ الوُثقَي‌ » في‌ المسألة‌ الثانية‌ والعشرين‌ من‌ أحكام‌ التقليد، بعد أن‌ اختار لزوم‌ العدالة‌ للمفتي‌، اسْتِناداً إلَی هَذِهِ الرِّوايَةِ الشَّريفَه‌: وَأنْ لاَيَكُونَ مُقْبِلاً عَلَی الدُّنْيا وَطالِباً لَها، مُكِبَّاً عَلَیها، مُجِدَّاً في‌ تَحْصيلِها.

 واعترض‌ الفقيه‌ النبيل‌ المعاصر السيّد أبو الحسن‌ الإصفهاني‌ّ رحمة‌الله‌ علیه‌، في‌ حاشية‌ « العروة‌ » علی كلام‌ المرحوم‌ السيّد بـ: أنَّ الإقْبالَ عَلَی الدُّنْيا وَطَلَبِها إنْ كانَ عَلَی الوَجْهِ المُحَرَّمِ فَهُوَ يوجِبُ الفِسْقَ النَّافي‌َ لِلْعَدالَةِ؛ فَيُغْني‌ عَنْهُ اعْتِبَارُها؛ وَإلاَّ فَلَيْسَ بِنَفْسِهِ مانِعاً مِنْ جَوازِ التَّقْليدِ؛ وَالصِّفاتُ المَذْكُورَةُ في‌ الخَبَرِ لَيْسَتْ إلاَّ عِبارَةً أُخْرَي‌ عَنْ صِفَةِ العَدالَةِـ انتهَي‌ كَلامُه‌.

 وأيّد هذا الرأي‌ جمع‌ آخر من‌ الآيات‌ العظام‌ تبعاً لنظريّة‌ آية‌الله‌ السيّد أبو الحسن‌ الإصفهاني‌ّ واكتفوا بالعدالة‌. وهكذا كان‌ نظر آية‌الله‌ الحاجّ السيّد حسين‌ البروجردي‌ّ أيضاً، من‌ أنَّ هذا الخبر يريد إفادة‌ نفس‌ العدالة‌.

 لكنَّ المطلب‌ أعلي‌ من‌ العدالة‌، وحقّه‌ ما قاله‌ المرحوم‌ السيّد محمّد كاظم‌ من‌ أنَّ هذا الخبر يريد إفادة‌ أمر أعلي‌ من‌ العدالة‌. وسوف‌ يأتي‌ شرح‌ وتوضيح‌ ذلك‌ بِحَوْلِ اللَهِ وَقُوَّتِهِ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِيِّ العَظيمِ.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

      

ارجاعات

[1] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 43، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[2] ـ الآيتان‌ 78 و 79، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[3] ـ الآية‌ 78، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌؛ وبقيّة‌ الآية‌ هو: وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ.

[4] لم‌ يذكر في‌ «الاحتجاج‌» ذيل‌ الآية‌: مِنْ عِنْدِ اللَهِ تَعَالَي‌... إلي‌ آخره‌.

[5] ـ ـ الآية‌ 79، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[6] ـ «الاحتجاج‌» للطبرسي‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 262 إلي‌ 265، طبعة‌ النجف‌ الاشرف‌.

[7] ـيَا هِشَامُ! إنَّ لَلَّهِ عَلَي‌ النَّاسِ حُجَّتَينِ: حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً؛ فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالاَنْبِيَاءُ وَالاَئِمَّةُ ] عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ [، وَأَمَّا البَاطِنَةُ فَالعُقُولُ. وهذه‌ رواية‌ طويلة‌ مرويّة‌ عن‌ الاءمام‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌، وجميع‌ فقراتها تبدأ بخطاب‌: «يا هشام‌!». أوردها الكليني‌ّ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 13 إلي‌ 19؛ والمحقّق‌ القاساني‌ّ في‌ «الوافي‌» الطبعة‌ الحروفيّة‌، ج‌ 1، ص‌ 86 إلي‌ 93. وقد أوردنا معظم‌ الحديث‌ في‌ الجزء الثاني‌ من‌ «نور ملكوت‌ القرآن‌» من‌ دورة‌ أنوار الملكوت‌.

[8] ـ الآيتان‌ 159 و 160 من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[9] ـ «الاحتجاج‌» للشيخ‌ الطبرسي‌، ج‌ 2، ص‌ 263 إلي‌ 265؛ و في‌ «الاحتجاج‌» بعد «إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا» كلمة‌: الآية‌.

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب ولاية الفقيه/ المجلد الثالث/ القسم الرابع: میزان اعتبار التفسیر المنسوب للامام العسکری علیه السلام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف کردن بدون تولید
آیه شریفه : وَ لَنُذيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَکْبَرِ ... (سوره مبارکه سجده ، آیه 21)ترجمه : و ما به جز عذاب بزرگتر (در قیامت) از عذاب این دنیا نیز به آنان می چشانیم ...روایت : قال أبي جعفر ( ع ): ... و لله عز و جل عباد ملاعين مناكير ، لا يعيشون و لا يعيش الناس في أكنافهم و هم في عباده بمنزله الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .  (اصول کافی ، ج 8 ، ص 248 )ترجمه : امام باقر(ع) مي‌فرمايد: ... و خداوند بدگانی نفرین شده و ناهنجار دارد که مردم از تلاش آنان بهره مند نمی شوند و ایشان در میان مردم مانند ملخ هستند که به هر جیز برسند آن را می خورند و نابود می کنند.

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید