الدرس‌ الرابع‌

الدرس‌ الرابع‌:

 بقيّة‌ الآيات‌ والروايات‌ الدالّة‌ علي‌ ولاية‌ الإمام‌ المعصوم‌

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علي‌ محمد و ءاله‌ الطَّاهرين‌

 

و لعنة‌ اللَه‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ ألاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

 

 إحدي‌ الآيات‌ القرءانيّة‌ المباركة‌ التي‌ يمكن‌ الاستدلال‌ بها علي‌ ولاية‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ هذه‌ الآية‌:

 وَ مَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَ لاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةِ مِنَ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ'لاً مُّبِيناً. [1]

 وَ مَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَ لاَ مُؤْمِنَةٍ «مؤمن‌» و «مؤمنة‌» جاءا نكرة‌ في‌ النفي‌ لذا يفيدان‌ العموم‌. أي‌ أنّه‌ ليس‌ لرجل‌ مؤمن‌ أو إمرأة‌ مؤمنة‌ ـ سواء كان‌ في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ أم‌ بعده‌ الي‌ يوم‌ القيامة‌، و كلّ من‌ يصدق‌ عليه‌ عنوان‌ المؤمن‌ و المؤمنة‌ بلافوق‌ بين‌ العرب‌ و العجم‌، و الايبغي‌ و الاسود: و مهما كان‌ ذلك‌ الخفي‌ ـ اذا ما حكم‌ الله‌ و رسوله‌ بأمر في‌ حقّه‌ أو اتّخذا قراراً بشأنه‌ خيار في‌ نفسه‌، فأمر الله‌ و رسوله‌ و قرارهما بشأنه‌ مقدّم‌.

 قَضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ: حكم‌ الله‌ هو حكم‌ الكتاب‌ و القرءان‌ الكريم‌، امّا حكم‌ رسول‌ الله‌ فهو الاحكام‌ الاعم‌ من‌ المسائل‌ و الموارد الجزئيّة‌ (التي‌ تفريعها بيده‌ النبيّ) أو الامور الولايتيه‌ (الامر و النهي‌). و قد ذكرنا سابقاً في‌ ذيل‌ ءاية‌: أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ أنّ إطاعة‌ الله‌ هي‌ بمعني‌ إطاعة‌ القرءان‌ و الاحكام‌ الواردة‌ فيه‌ بالخصوص‌.

 فبعد أن‌ يرد حكم‌ من‌ الله‌ في‌ القرءان‌ فانّ أحداً لا يمكنه‌ التخلّف‌ و سواء كان‌ هذا الحكم‌ عامّاً أم‌ وارداً في‌ مسألة‌ خاصّة‌.

 فقد نزلت‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ مثلاً حول‌ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السّلام‌ بخصوصها و هي‌ قوله‌ تعالي‌:

 يَـ'أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أَنْزِلَ إلَیكَ مِن‌ رَّبِّكَ وَ إن‌ لَّم‌ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ[2].  و هذا حكم‌ شخصي‌.

 والامر كذلك‌ في‌ الاحكام‌ الكليّة‌، فعندما يحكم‌ الله‌ و رسول‌ بحكم‌ (من‌ أمر أو نهي‌ في‌ حقّ مؤمن‌ أو مؤمنة‌) فانّهم‌ ـ أي‌ المؤمن‌ و المؤمنة‌ ـ لايملكون‌ ءانذاك‌ حقّ الاختيار. أي‌ انّهم‌ يجب‌ أن‌ يجعلوا إرادتهم‌ اختيارهم‌ تحت‌ اختيار و ارادة‌ الله‌ و رسوله‌، و يجب‌ أن‌ تحكم‌ عليهم‌ مشيّ            ة‌ الله‌ و رسوله‌ و ارادتهما و أن‌ يكونوا تحت‌ سيطرة‌ اختيار الله‌ و رسوله‌، و أن‌ يروا اختيار الله‌ و رسوله‌ مقدّماً علي‌ اختيارهم‌. و هذا أمر واجب‌ و لازم‌ و حياتي‌ يعدّ التمرّد عليه‌ معصيةً كبيرة‌ و ضلالاً مُّبيناً.

 وَ مَن‌ يَعْصِ اللَهَ وَ رَسُولَهُ أي‌ كلّ من‌ يعص‌ ما حكم‌ الله‌ علي‌ في‌ القرءان‌ الكريم‌ أو ما أمره‌ به‌ رسوله‌ أو نهاه‌ عنه‌ في‌ الموارد الجزئية‌ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ'لاً مُّبِيناً و ذلك‌ لانّ ما يختاره‌ الانسان‌ لنفسه‌ ما يرتضيه‌ لنفسه‌. و كلّ انسان‌ انّما يرتضي‌ لنفسه‌ ضمن‌ حدود فكره‌ و درايته‌ لاأكثر.

 الرجوع الي الفهرس

آية‌: النَّبِيُّ أوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ و´ أُمَّهَـ'تُهُمْ

 الله‌ و رسوله‌ هما اللذان‌ يتملكان‌ الإحاطة‌ العلميّة‌ و الإحاطة‌ الحضوريّة‌ لجميع‌ الموجودات‌، من‌ الإناسن‌ و غيره‌، و ينظر أن‌ الي‌ الإنسان‌ من‌ موقع‌ أعلي‌ و أسمي‌ من‌ أفق‌ إدراكاته‌، و يرد ان‌ بواطن‌ الإنسان‌ ببصيره‌ أعجب‌ و دراية‌ أعمق‌، و يُشخّصان‌ طريق‌ الفساد و الصلاح‌ و يدركان‌ و يعلمان‌ مُنتخبات‌ كلّ شخص‌ و مُهلكاته‌، و هما اللذان‌ الإنسان‌ من‌ ذلك‌ الاُفق‌. ومن‌ المؤكّد انّ أمرهما يوصل‌ الإنسان‌ الي‌ السعادة‌ و النجاة‌ المطلقة‌، و هذا أرقي‌ بكثير من‌ تلك‌ المصلحة‌ التي‌ يشخّصها الإنسان‌ و يسعي‌ خلقها بحسب‌ الطفولي‌ و علي‌ أساس‌ أرائه‌ و أهوائه‌ الشخصيّة‌.

 و هذا بالضبط‌ كمثل‌ ولاية‌ الاب‌ علي‌ إبنه‌ الصغير. فالولد يجب‌ أن‌ يكون‌ خاضعاً لامر أبويه‌. فهو بحسب‌ نظره‌ يري‌ في‌ الامر الفلاني‌ صلاحاً له‌ لكنّ وليّه‌ لايرتضيه‌ له‌، لذا يأمره‌ أن‌ يقوم‌ بشي‌ء أخر، فإن‌ خالفه‌ الولد سقط‌ في‌ المتاهات‌ و اُبتلي‌ بالمرض‌ و تردّي‌ في‌ مهاوي‌ المهلكة‌، ذلك‌ لانّ علمه‌ تليل‌ و درايته‌ ناقصة‌ و لانّ تجارب‌ أبيه‌ أكثر منه‌ بكثير و إدراكاته‌ أرقي‌ منه‌، و لذا فهو خاضع‌ ولايته‌.

 و لهذا الموال‌ فانّ رسول‌ الله‌ حين‌ يأمر ببعض‌ الاوامر، فلانه‌ يمتلك‌ جنبة‌ إحاطة‌ و لانّ علم‌ علم‌ حضوري‌ و لنظره‌ في‌ أفق‌ أعلي‌ من‌ أفق‌ عامّة‌ الناس‌، فهو يمتلك‌ العصمة‌ و هو مصون‌ في‌ إدراكاته‌، لذا يجب‌ علي‌ كلّ مؤمن‌ و مؤمنة‌ أن‌ يخضعوا لاوامره‌ و إلاّ هلكوا و قضي‌ عليهم‌ و سقطوا في‌ متاهات‌ عميقه‌ في‌ الضلال‌.

 و كذلك‌ فانّ «أَمْراً» في‌ قوله‌ تعالي‌: إِذَا قَضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً نكرة‌. أيضاً حيث‌ يستفاد منه‌ العموم‌ بمقدّمات‌ الحكمة‌ أيضاً. فالامر مهما كان‌ خاصّاً أم‌ عامّاً تشريعياً أم‌ ولايتنا، في‌ الامور الشخصيّة‌ أم‌ النوعيّة‌، عند ما يرد من‌ الله‌ و رسوله‌ فانّ علي‌ الإنسان‌ أن‌ يطيع‌ دونما تردّد أو سؤال‌.

 و لقد جعل‌ الله‌ العليّ الاعلي‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ إطاعة‌ الرسول‌ مع‌ إطاعته‌ تعالي‌ في‌ ميزان‌ واحد و سياق‌ واحد. فقد ورد حكم‌ الله‌ و حكم‌ رسول‌ الله‌ في‌ سياق‌ واحد: إِذَا قِضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ.

 و هذا يدلّ علي‌ أنّ الاحكام‌ الصادرة‌ من‌ رسول‌ الله‌ و الاقضيّة‌ التي‌ يقوم‌ بها عالية‌ جدّاً، تلي‌ في‌ المرتبة‌ قضاء الله‌، بل‌ هي‌ عين‌ قضاء الله‌. و قد خلنا أنّ الفرق‌ هو في‌ أنّ قضاء الله‌ هو ءايات‌ القرآن‌ و الاحكام‌ العامّة‌. بينما قضاء رسول‌ الله‌ الاحكام‌ الجزئية‌ و الاوامر الولايتية‌، و إلاّ فليس‌ ثمّة‌ تفاوت‌ بينمها.

 فعند ما يأمر الله‌ و رسوله‌ فانّ الاختيار يسقط‌ من‌ جميع‌ الامّة‌ من‌ المؤمنين‌ و المؤمنات‌ فلا يكون‌ لهم‌ «خِيَرَة‌» في‌ مقابل‌ الله‌ و رسوله‌، و لا إرادة‌ لهم‌ مقابل‌ إرادة‌ الله‌ و رسوله‌. و حكم‌ رسول‌ الله‌ هو حكم‌ الله‌ في‌ متانته‌ و إحكامه‌ واستقامته‌.

 من‌ الآيات‌ القرءانيّة‌ المباركة‌ الاخري‌ التي‌ يمكن‌ استفادة‌ ولاية‌ المعصوم‌ منها هذه‌ الآية‌: النَّبِيُّ أوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَـ'تُهُمْ وَ أُولُوا الاَرْحَامر بَعْضُهُمْ أَوْلَي‌' بِبَعْضٍ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ مِنَ الْمُؤمِنِينَ و الْمُهَـ'جِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إلَی‌' أَوْلِيَائِكُم‌ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي‌ الْكِتَـ'بِ مَسْطُوراً.[3]

 المقصود من‌ «النبيّ» هو نبيّ الإسلام‌، حيث‌ أنّ له‌ تلك‌ الاّولوية‌ بالنسبة‌ للمؤمنين‌.

 الرجوع الي الفهرس

آية‌: أُوْلُوا الاَْرْحَامِ، نسخت‌ آية‌ التوارث‌ بالاُخوة‌

 و ولاية‌ النبيّ علي‌ المؤمنين‌ ءاكثر من‌ ولايتهم‌ علي‌ أنفسهم‌ وَ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَـ'تُهُمْ و عليه‌ فالنبيّ الاكرم‌ يكون‌ أباً للمؤمنين‌. و لذا قال‌ أَنَا وَ عَلِيّ أَبَوَا هَذِهِ الاُمَّةَ [4]  و ذلك‌ لانّ جهة‌ رسول‌ الله‌ الولايتيّة‌ جهة‌ فعل‌؛ و أَبَوَا هَذِهِ الاُمَّةِ ليس‌ بمعني‌ أب‌ و أم‌ هذه‌ الامّة‌ و أنّما بمعني‌ أنّ كلاهما أب‌ للامّة‌، فرسول‌ الله‌ أب‌، و كذلك‌ أميرالمؤمنين‌.

 وَ أُولُوا الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي‌ بِبَعْضٍ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ.

 أي‌ أنّ بعضهم‌ أولي‌ ببعض‌ من‌ المؤمنين‌ و المهاجرين‌ الذين‌ يرثون‌ بعضهم‌.

 ذلك‌ أن‌ الناس‌ في‌ صدر الإسلام‌ لم‌ يكونوا يرثون‌ بعضهم‌ علي‌ أساس‌ علامّة‌ الرقم‌ و أنّما كانت‌ الوراثة‌ علي‌ أساس‌ الاُخوة‌ الدينيّة‌. فكان‌ المؤمن‌ يرث‌ المؤمن‌، و كان‌ الاخوان‌ في الدين‌ يرثون‌ بعضهم‌ بينما لايرثهم‌ أقرباءهم‌.

 و قد عقد النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ بين‌ أصحابه‌ عقدي‌ أخوّةً: الاوّل‌ في‌ مكّة‌ بين‌ المهاجرين‌، و الآخر في‌ المدينة‌ بين‌ المهاجرين‌ و الانصار، فكانوا أخوّة‌ لبعضهم‌ علي‌ أساس‌ عقد الاخوَّة‌. و حتي‌ في‌ الإرث‌ أيضاً كان‌ كلّ منهم‌ يرث‌ الآخر عند موته‌ مثل‌ الاخوين‌.

 و في‌ الواقع‌ فأنّ الامر يجب‌ أن‌ يكون‌ بهذا النحو، و ذلك‌ لانّ المؤمنين‌ كانوا في‌ صدر الإسلام‌ قلّة‌ و كان‌ أقرباؤهم‌ في‌ غالبيتهم‌ كفره‌، و إذا لم‌ يرث‌ المؤمنون‌ بعضهم‌ ورثهم‌ الاقرباء الكافرون‌، فانّ النتيجة‌ ستكون‌ ءانذاك‌ مضرة‌ للمؤمنين‌، فقد كانوا يعيشون‌ في‌ غاية‌ الشدّة‌ و العسر، و لم‌ يكن‌ صحيحاً بوجه‌ من‌ الوجوه‌ أن‌ يرثهم‌ الكفّار.

 و علاوة‌ علي‌ ذلك‌ فأنّ الإيمان‌ هو الذي‌ يبثّ الحياة‌ في‌ الإنسان‌ و يمنحه‌ الروح‌، و علي‌ الإنسان‌ القيام‌ يبدل‌ المساعي‌ المشتركه‌ في‌ جميع‌ الامور علي‌ أساس‌ الإيمان‌. و حتي‌ في‌ الإرث‌، فالإرث‌ خاصّ بالمسلم‌ و الكافر لا يستطيع‌ أن‌ يرث‌ المسلم‌.

 أمّا بعد أن‌ نزلت‌ الآية‌ المباركة‌: وَ أُولُوا الاَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي‌' بِبَعْضٍ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ. فقد نسخ‌ ذلك‌ الحكم‌ الاولي‌ وزال‌ حكم‌ الاخوة‌ من‌ هذه‌ الجهة‌. و تقرّر أن‌ يرث‌ الناس‌ بعضهم‌ علي‌ أساس‌ علاقة‌ السرهم‌ (فم‌ب‌ يرث‌ الإبن‌ و الإبن‌ يرث‌ الاب‌، و هكذا سائر الارحام‌ من‌ الطبقات‌ الثلاثة‌ للورثة‌) و أن‌ تكون‌ الاولية‌ في‌ الإرث‌ أيضاً بحسب‌ قرب‌ درجة‌ الرحميّة‌ و بُعدها. فبُني‌ التوارث‌ منذ ذلك‌ الحسين‌ علي‌ أساس‌ الرحمية‌ طبقاً لهذه‌ الآية‌ الشريفة‌.

 ثم‌ يقول‌ تعالي‌: إِلاَّ أَن‌ تَفْعَلُوا إلَی‌ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً أي‌ إلاّ إذا أردتم‌ أن‌ توصوا من‌ ثلث‌ ما لكم‌ إلي‌ بعض‌ أوليائكم‌ ـ سواء كانوا الاُخوة‌ في‌ الدين‌ أو بعض‌ الاصدقاء الآخرين‌ الذين‌ لارحم‌ بينكم‌ و بينهم‌ ـ فهذا أمر لا إشكال‌ فيه‌، و لكم‌ أن‌ توصوا لهم‌، فيصل‌ من‌ أموالكم‌ الي‌ أولئك‌ المؤمنين‌ الذين‌ ليسوا من‌ الارحام‌ أو ممّن‌ ليس‌ لهم‌ أولوية‌ في‌ الإرث‌. و هذا أيضاً عمل‌ حسن‌.

 كَانَ ذَلِكَ فِي‌ الْكِتَـ'بِ مَسْطُوراً. أي‌ أنّه‌ قانون‌ موضوع‌، فالإنسان‌ يستطيع‌ أن‌ يوصي‌ بثلث‌ أمواله‌ ـ حيث‌ لاتضييع‌ لحقّ الورثة‌ الرحميّين‌ ـ فليهبها لاخوانه‌ في‌ الدين‌. و هذه‌ الوصيّة‌ مقدّمة‌ علي‌ الإرث‌ أيضاً.

 و بناء علي‌ هذا فانّ ذلك‌ الباب‌ من‌ المعروف‌ لم‌ يُغلق‌ بشكل‌ كامل‌، بل‌ أفسح‌ للمؤمنين‌ المجال‌ ليتمكنوا من‌ إعطاء الثلث‌ من‌ أموالهم‌ علي‌ أساس‌ من‌ الاخوّة‌ لإخوانهم‌ في‌ الدين‌.

 و سيبقي‌ هذا الحكم‌ (الإرث‌ من‌ ناحية‌ الرحمية‌) الي‌ زمان‌ ظهور صاحب‌ العصر و الزمان‌ عجّل‌ الله‌ تعالي‌ فرجه‌ الشريف‌. فيسر جمع‌ عند ذلك‌ حكم‌ الإرث‌ حَسب‌ رواية‌ يرويها الشيخ‌ الصدوق‌ ـ علي‌ أساس‌ الاخوّة‌ الدينية‌ أيضاً لاعلي‌ أساس‌ العلاقة‌ الرحمية‌.

 روي‌ المرحوم‌ الصدوق‌ في‌ ءاخر كتاب‌ الإرث‌ من‌ كتاب‌ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌» عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السّلام‌ أنّه‌ قال‌: إِنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي‌' أَاخي‌' بَيْنَ الاْرْوَاحِ فِي‌ الاَظِلَّةِ قَبْلَ أَن‌ يَخْلُقَ الاَجْسَادَ بِألْفَي‌ عَامٍ، فَلَوْ قَدْ قَامَ قَآئِمنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَّثَ الاَخ‌ الَّذِي‌ ءَاخي‌ بَيْنَهُمَا فِي‌ الاَظِلَّةِ وَ لَمْ يُورّثِ الاَخ‌ فِي‌ الولاَدَهِ [5] و معني‌ في‌ الاظلّ´ أي‌ في‌ الاصل‌ و الظلال‌ حيث‌ لم‌ يكن‌ قد وجد عالم‌ الخلق‌ بعد، فقد ءاخي‌ بين‌ الارواح‌ التي‌ كانت‌ قربه‌ ستة‌ جدّاً من‌ بعضها هناك‌.

 الرجوع الي الفهرس

 يمكن‌ استخراج‌ كتاب‌ من‌ أحكام‌ الولاية‌ من‌ آية‌: النَّبِيُّ أَوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ و...

و لم‌ تكن‌ هذه‌ المطالب‌ شاهدنا في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌، و أنّما ذكرت‌ بمناسبة‌ تفسير الآية‌، كان‌ و شاهدنا منحصراً في‌ صدر الآية‌ فقط‌ في‌ قوله‌ تعالي‌:اَلنَّبِيُّ أَوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ.

 فالإنسان‌ هو صاحب‌ الاختيار في‌ نفسه‌ 7 و هو أقرب‌ الي‌ نفسه‌ من‌ أي‌ شخص‌ آخر، و يملك‌ اختيار نفسه‌ ءاكثر و ليس‌ هناك‌ من‌ أحد له‌ السلطة‌ علي‌ الإنسان‌ و التصرّف‌ فيه‌ أكثر من‌ نفسه‌، فحركة‌ الانسان‌ و سكونه‌ كلاهما له‌ فحسب‌، و خلاصة‌ الامر فانّ الاختيار جزء من‌ فطرة‌ الإنسان‌.

 بقول‌ تعالي‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ انّ ولاية‌ النبيّ علي‌ المؤمنين‌ أشدّ من‌ ولايتهم‌ و اختيارهم‌ في‌ أنفسهم‌، و من‌ تدبيرهم‌ و تصرّفهم‌ الذي‌ يقومون‌ به‌ في‌ اُمورهم‌، و من‌ إرداتهم‌ و شيئتهم‌ التي‌ يمتلكونها في‌ جميع‌ أفعالهم‌ و سكناتهم‌، أي‌ أنّ النبيّ في‌ المرتبة‌ لاولي‌ و من‌ بعده‌ الإنسان‌، النبيّ أوّلاً و من‌ بعده‌ اختيار الإنسان‌، النبيّ أوّلاً و من‌ بعد مشيئة‌ الإنسان‌ و إرادته‌. و هذ الولاية‌ علي‌ نحو مطلق‌.

 النَّبِيُّ أَوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حسب‌ الامر. فهذا النبيُّ ولايته‌ علي‌ المؤمنين‌ جميعاً أكثر من‌ ولايتهم‌ أنفسهم‌ في‌ كلّ أمر من‌ الامور علي‌ نحو الإطلاق‌، مثل‌ أَحَل‌َّ اللَهُ الْبَيْعَ.

 فكيف‌ نستنتج‌ هذه‌ الفروع‌ الكثيرة‌ من‌ جملة‌ أَحَّلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [6] و يؤلَّف‌ منها كتاب‌ من‌ عبارة‌ واحدة‌ فقط‌ و هي‌ أَحَلَّ اللَهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَـ'وا !!

 يقولون‌: انّ الامر يشكل‌ علي‌ الفقيه‌ في‌ باب‌ العبادات‌ و باب‌ الصلاة‌ من‌ كثرة‌ الروايات‌ و تضاربها، بينما الإشكال‌ في‌ قسم‌ المعاملات‌ قلّة‌ هذه‌ الروايات‌ ! و أن‌ كتاب‌ «المكاسب‌» الذيك‌ ألَّفه‌ المرحوم‌ الشيخ‌ الانصاري‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ أنّما هو قائم‌ علي‌ إطلاق‌: أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ و أَمثالها، مثل‌ ءاية‌ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [7] و آية‌ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا لاَّ تَأكُلُوا أَمْوَالِكُ بَيْنَكُمْ بِالبَـ'طِلِ إِلاَّ أَن‌ تَكُونَ تِجَـ'رَةً عَن‌ تَراضٍ مِّنكُم‌. [8] و العمدة‌ هي‌ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَهذه‌. و رواية‌ أو روايتين‌ مثل‌ «النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَی‌ أَمْوَالِهِم‌  و در الْمُؤمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِم‌ و ما شابه‌ ذلك‌. فكما أستفيد من‌ اطلاق‌ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيع‌ففرِّعن‌ عنها الفروع‌، فان‌ الامر في‌ النَّبِيُّ أَوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ بهذا النحو أيضاً فهذه‌ العبارة‌ لها إطلاق‌ بحيث‌ يمكنكم‌ تفريع‌ الفروع‌ و استنتاج‌ النتائج‌ من‌ إطلاقاها و بقدر ما تشاؤون‌، و هي‌ من‌ الآيات‌ الواضح‌ جدّاً دلالتها علي‌ ولاية‌ النبي‌ّ.

 إذاً فعندما يم‌مر النبيّ بشي‌ء أو ينهي‌ عنه‌، فانّ جميع‌ المؤمنين‌ ـ يجب‌ آمن‌ يخضعوا لامره‌، لانّ ولايته‌ بالنسبة‌ للإنسان‌ أشدّ من‌ ولاية‌ الإنسان‌ علي‌ نفسه‌.

 قائم‌ علي‌ إطلاق‌ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ و أمثالها، مثل‌ آية‌ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوفُوابِالْعُقُودِ  و آية‌ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاتَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بَالْبَـ'طِلِ إِلاَّ أَن‌ تَكُونَ تِجَـ'رَةً عَنْ تَراضٍ مِّنْكُم‌.  و العمدة‌ هي‌ أَحَلَّ اللَهُ الْبَيْعَ هذه‌ و رواية‌ أورد ايتين‌ مثل‌ النَّاسُ مُسَلَّطونَ عَلَی‌ أَمْوَالِهِم‌ و ألْمُؤمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْو ماشابه‌ ذلك‌. فكما أستفيد من‌ اطلاق‌ أحَلَّ اللَّهَ الْبَيْع‌ فرَّعن‌ عنها الفروع‌، فان‌ الامر في‌ النَّبِيُّ أَولَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ بهذا النحو أيضاً. فهذه‌ العبارة‌ لها إطلاق‌ بحيث‌ يمكنكم‌ تفريع‌ الفروع‌ و استنتاج‌ النتائج‌ من‌ إطلاقها بقدر ماتشاؤون‌، و هي‌ من‌ الآيات‌ الواضح‌ جدّاً دلالتها علي‌ ولاية‌ النبيّ !

 إذاً فعندنا يأمر النبيّ بشي‌ أو ينهي‌ عنه‌، فانّ جميع‌ المؤمنين‌ يجب‌ أن‌ يخضعوا لامره‌، لانّ ولايته‌ بالنسبة‌ للإنسان‌ أشدّ من‌ ولاية‌ الإنسان‌ علي‌ نفسه‌.

 و من‌ الآيات‌ القرءانية‌ التي‌ يمكن‌ الاستدلال‌ بها علي‌ ولاية‌ المعصومين‌ هذه‌ الآية‌ إِنَّ أَوْلَي‌' النَّاسِ بِإبْرَ'هيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هَـ'ذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُو´ا وَاللَهُ وَلِيُّ الْمُؤمِنِينَ. [9]

 إذ انّه‌ بملاحظة‌ الآية‌ التي‌ ذُكرت‌ سابقاً (حيث‌ جعل‌ الله‌ تعالي‌ إبر'هيم‌ إماماً: قَالَ إِنِّي‌ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً. [10]

 و هذه‌ الآية‌ التي‌ جعلت‌ أقرب‌ الناس‌ لإبراهيم‌ و أولاهم‌ به‌ الذين‌ اتّبعوه‌ و اتّبعوا هذه‌ النبيّ (الرسول‌ الاكرم‌) بالنسبة‌ لإبراهيم‌ اكثر من‌ الجميع‌ فانّه‌ يمكن‌ استفادة‌ الولاية‌ لهؤلإ الاشخاص‌.

 و ذلك‌ لانّ أوْلَي‌ النَّاسِ بِإبراهيمَ أي‌ اولئكَ الذين‌ يجوزون‌ مقام‌ الولاية‌ القادرين‌ علي‌ الامر و النهي‌ بحسب‌ درجة‌ قربهم‌ من‌ إبراهيم‌. أمّا بالنسبة‌ لقوله‌ تعالي‌ هذا النبيّ فالامر واضع‌. و جليّ. و كذلك‌ قوله‌: الَّذِينَ ءَامَنُو´ا، أي‌ انّهم‌ بجسب‌ درجات‌ الإيمان‌ كلّما اقتربوا من‌ النبيّ و إبراهيم‌ أكثر كلمّا ازدادت‌ ولايتهم‌ أكثر.

 كانت‌ هذه‌ مجموعة‌ من‌ الآيات‌ التي‌ استخرجناها من‌ القرءان‌ الكريم‌ لإثبات‌ ولاية‌ الإمام‌ لاولاية‌ الفقيه‌ إذ أنّ ذلك‌ له‌ بحث‌ مستقلّ.

 و أمّا الروايات‌ التي‌ تدلّ علي‌ انحصار الحكم‌ في‌ المعصومين‌ ـ سواء كان‌ المعصوم‌ رسول‌ الله‌ أو الائمّة‌ ـ عليهم‌ السّلام‌ ـ فهي‌ كثيرة‌ جدّاً.

 منها: الرواية‌ التي‌ رواها المشايخ‌ الثلاثة‌ (الككنين‌ و الطوسي‌ و الصدوق‌) حول‌ النهي‌ عن‌ القضاء و الحكومة‌، و خطر الحكومة‌ و عظم‌ أمرها، و أنّها مقام‌ رفيع‌ يختصّ بالنبيّ او الوصيّ.

 روي‌ الكليني‌ و الصدوق‌ ـ حول‌ كلام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لشريح‌ ـ أنّه‌ قال‌ له‌ بأن‌ عمله‌ هذا عظيم‌ الخطر و أنّ عليه‌ ان‌ نتبه‌ الي‌ مجلسه‌ الذي‌ جلسه‌ و الي‌ خطره‌ و عظمته‌ و درجة‌ الاهميّة‌ التي‌ يحوزها !

 و ينقل‌ المشايخ‌ الثلاثة‌ هذه‌ الرواية‌ جميعاً في‌ كتاب‌ القضاء الاّ انّ الكليني‌ يروي‌ بسنده‌ عن‌ محمّد بن‌ يحيح‌، عن‌ محمّد بن‌ أحمد، عن‌ يعقوب‌ بن‌ يزيد، عن‌ يحيي‌ بن‌ مبارك‌، عن‌ عبدالله‌ بن‌ حَبَلَة‌، عن‌ أبي‌ جميلة‌، عن‌ إسحاق‌ بن‌ عمّار، عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أنّه‌ قال‌: قال‌ أميرالمؤمنين‌ عليها لسلام‌ لشريح‌: يَا شُريحُ قَد جَلَسْتَ مَجْلِسَاً لايَجْلِسُهُ إِلاَّ نَبِيُّ أوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ شَقِيُّ[11]،  أي‌ أنّ من‌ يجلس‌ في‌ هذا المجلس‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ نبيّاً أو وصي‌ نبيّ و إلاّ فهو شقيّ و عليه‌ فانّ غير الشقيّ لايجلس‌ في‌ هذا المسند لانّه‌ سيكون‌ قد غصب‌ مقام‌ النبوة‌ أو الوصاية‌. و خلاصة‌ الامر انّ هذا المجلس‌ مختصّ بالنبيّ أو وصيّ النبيّ.

 الرجوع الي الفهرس

قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً لاَيَجلِسُهُ إِلاَّنبي‌ٌّ أَوْ وَصِي‌ُّ نَبِي‌ٍّ أَوْ شَقِي‌ٌّ

 و ينقل‌ الشيخ‌ الطوسي‌ كتاب‌ القضاء من‌ في‌ «التهذيب‌» [12]  عين‌ هذه‌ الرواية‌ التي‌ ذكرناها عن‌ الكليني‌. لكنّ الصدوق‌ في‌ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌» ينقل‌ بشكل‌ مرسل‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أنّه‌ قال‌: يا شُرَيْحُ ! قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً مَا جَلَسَة‌ إِلاَّ نبيُّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ شَقِيُّ. [13]

 في‌ الرواية‌ الاُولي‌ و هي‌ رواية‌ الشيخ‌ الطوسي‌ و الكليني‌ لفظ‌ لايجلسه‌ بينما ورد في‌ رواية‌ الصدوق‌ باجلسه‌ و يتخلف‌ المعني‌ شيئاً ما باختلاف‌ هاتين‌ الصيغتين‌ و الرواية‌ الاُولي‌ أهم‌.

 يقول‌ عليه‌ السّلام‌: قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً لاَ يَجْلُسُهُ أي‌ هذا المجلس‌ ليس‌ من‌ شأنه‌ أن‌ يجلسه‌ سوي‌ النبيّ أو وصيّ النبيّ أو الشقيّ.

 و يستفاد من‌ هذه‌ الرواية‌ صعوبة‌ القضاء و أنّ القضاء صعب‌ و مهم‌ الي‌ درجة‌ انحصاره‌ بالمعصوم‌، سواء كان‌ نبيّاً أو وصيّ نبيّ، و الاّ كان‌ المتوليّ له‌ شيقيّاً.

 أمّا الرواية‌ الثانية‌ التي‌ تقول‌: مَا جَلَسَهُ إلاَّ نبيُّ فيفهم‌ أنّه‌ لم‌ يجلس‌ لحد الآن‌ في‌ هذا المجلس‌ إلاّ نبيّ أو وصيّ أو شقيّ.

 فلينحث‌ الآن‌ في‌ هذا المطلب‌ و لنري‌ أنّه‌ إذا كان‌ القضاء و الحكم‌ منحصراً بالنبيّ أو وصيّ النبيّ فما هو وضع‌ الحكومات‌ ] و الاقضية‌ [ التي‌ تتم‌ في‌ زماننا و التي‌ يقوم‌ بها المجتهدون‌، و الخصومات‌ التي‌ يقومون‌ بفصلها، أو الاحكام‌ الولايتية‌ التي‌ يصدرونها في‌ عصر الغيبة‌ الكبري‌ أو حتي‌ في‌ نفسي‌ زمان‌ المعصومين‌ عليهم‌ السّلام‌ ؟ و ما هو معني‌ الانحصار.

 فهل‌ يعني‌ ذلك‌.نّ علينا إغلاق‌ باب‌ الاجتهاد بشكل‌ تام‌ و القول‌ بأن‌ أحداً لايملك‌ الحقّ في‌ الحكم‌ إلاّ أن‌ يكون‌ نبيّاً أو وصيّ نبيّ. و هذا يلزم‌ منه‌ تعطيل‌ حكم‌ الله‌ بشكل‌ كامل‌.

 الرجوع الي الفهرس

كان‌ النبي‌ الاكرم‌ والمعصومون‌ عليهم‌ السلام‌ يرسلون‌ أشخاصاً كولاة‌ إلي‌ المدن‌

 فإمام‌ العصر و الزمان‌ عليه‌ السّلام‌ غائب‌، و الناس‌ لايمكنهم‌ الوصول‌ إليه‌، فإذا تقرّر ألاّ يرجع‌ الناس‌ في‌ مرافعاتهم‌ و منازعاتهم‌ الي‌ المجتهدين‌ أيضاً، لزم‌ تعطيل‌ الاحكام‌ بشكل‌ كامل‌. مع‌ أنّ من‌ المسلَّم‌ أنّ الامر ليس‌ كذلك‌، و ذلك‌ لانّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ كان‌ في‌ زمان‌ يرسل‌ بنفسه‌ اشخاصاً للحكم‌ و القضاء إلي‌ الاطراف‌ البعيددة‌ كاليمن‌ و الطائف‌ كما قام‌ في‌ مكّة‌ بعد الفتح‌ باستخلاف‌ شخص‌ مكانه‌ يلي‌ أمور الناس‌، و يقضي‌ بينهم‌، و يحلّ خصوماتهم‌، مع‌ أنّ هؤلإ و الاشخاص‌ (المبعوثين‌ أو المستخلفين‌) لم‌ يكونوا أنبياء و لا أوصياء أنبياء !

 و في‌ زمان‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ كان‌ الامر بهذا النحو أيضاً. فقد كان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يرسل‌ أشخاصاً للحكم‌ في‌ المناطق‌ المختلفة‌ و لم‌ يكن‌ اولئكم‌ أنبياء و لا أوصياء أنبياء، و كثيراً ما كانت‌ تصدر منهم‌ الاخطاء أيضاً. نعم‌ لم‌ تكن‌ أخطاؤهم‌ عن‌ عمد، إذ أنّ المجتهد يبذل‌ غاية‌ الجهد للتوصّل‌ الي‌ الاحكام‌، و إذا اتّفق‌ ارتكابه‌ الخطأ فلا تثريب‌ عليه‌، و ذلك‌ ممكن‌، إ أنّ المجتهد ليس‌ مصيباً ] علي‌ الدوام‌ [

 و أفضل‌ دليل‌ علي‌ هذا المطلب‌ اختلاف‌ ءآراء المجتهدين‌، إذ أنّ اختلاف‌ الآراء دليل‌ علي‌ أنّهم‌ ليسوا جميعاً مصيبين‌، و إلاّ لما حصل‌ في‌ ءارائهم‌ اختلاف‌.

 و لق‌ كان‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السّلام‌ يربّي‌ الطلاّب‌ و يرسلهم‌ الي‌ الاطراف‌، أو ان‌ البعض‌ كان‌ يأتيه‌ فيتعلّمون‌ منه‌ ثمّ يعودون‌ الي‌ أوطانهم‌ ليقموا بالتدريس‌ و التعليم‌ و الحكم‌ و القضاء بين‌ الناس‌. فكان‌ الشيعة‌ يرجعون‌ اليهم‌، كما كان‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ يأمرهم‌ بذلك‌.

 و لقد كان‌ يونس‌ بن‌ عبدالرحمن‌ ـ هو من‌ كبار أصحاب‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ ـ يجلس‌ في‌ مسجد الكوفة‌، فيأتي‌ اليه‌ الناس‌ و يسألونه‌ عن‌ مسائلهم‌، فيفتينهم‌ و يفصل‌ الخصوصيات‌ بينهم‌. و قد سُئل‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌. يُونُسُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ وَ اُخُذ عَنْهُ مَعَلِمَ دِينِي‌: قَالَ: نَعَمْ و ذَلك‌ في‌ الوقت‌ الذي‌ كان‌ فيه‌ الإمام‌ في‌ المدينة‌ و يونس‌ في‌ الكوفة‌.

 و بالاضافة‌ الي‌ ذلك‌ فإنّ الوصول‌ الي‌ المعصوم‌ في‌ زمانه‌ لم‌ يكن‌ ميسوراً لكلّ أحد، و الزمن‌ الآن‌ زمن‌ غيبة‌ و إمام‌ العصر غائب‌، و علي‌ فرض‌ حضوره‌ فإنّ وصول‌ جميع‌ الناس‌ إليه‌ لن‌ يكون‌ مقدوراً. أفلم‌ يكن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السّلام‌ حاضراً ؟!

 أَوّلاً انّه‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ في‌ المدينة‌ بينما كان‌ أهالي‌ البلاد الاخري‌ كالكوفة‌ و الشام‌ و مكّة‌ و غيرها منتطعين‌ عن‌ المدينة‌، فلم‌ يكونوا يصلون‌ إليه‌ ليراجعوه‌ في‌ أبسط‌ المسائل‌.

 و حتي‌ في‌ نفس‌ المدينة‌ فان‌ الجميع‌ لم‌ يكونوا ليصلوا الي‌ الإمام‌ بنحو يراجعه‌ فيه‌ لكّ رجل‌ و كلّ إمرأة‌ في‌ أبسط‌ المسائل‌، فهذا النحو من‌ الاستيعاب‌ لم‌ يكن‌ ممكناً.

 إضافة‌ الي‌ أنّ الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌ كانوا غالباً في‌ حالة‌ تقيّة‌ و خوف‌، و كانوا مراقبين‌ من‌ قبل‌ السلفات‌ فلم‌ يكن‌ بمقدور أحد الإلتقاء بهم‌. و لهذه‌ الجهات‌ فقد كانوا عليهم‌ السلام‌ أنفسهم‌ ينهون‌ ] الناس‌ [ عن‌ المجي‌ء إليهم‌ و مراجعتهم‌، و يطلبون‌ منهم‌ الرجوع‌ الي‌ رواة‌ أحاديثهم‌ و الذين‌ ينظرون‌ في‌ حلالهم‌ و حرامهم‌ و جعلهم‌ حكّاماً بينهم‌، يبيّنون‌ و أنّ حكمهم‌ الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌.

 لقد كان‌ باب‌ الاجتهاد مفتوحاً في‌ زمن‌ الائمّة‌ أنفسهم‌ لا أن‌ يكون‌ الاجتهاد منحصراً بزمان‌ الغيبة‌.

 الرجوع الي الفهرس

كان‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ يعلّمون‌ طلاّبهم‌ كيفيّة‌ الاجتهاد

 فقد كان‌ تلامذة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ مجتهدين‌، و كان‌ الإمام‌ يعلّمهم‌ كيفيّة‌ إصدار الفتوي‌، و كانوا يفتون‌ بحسب‌ نظرهم‌.

 فمثلاً قضيّة‌ المرارة‌ الواردة‌ في‌ كتب‌ الفقه‌ من‌ أنّ شخصاً زلّت‌ قدمه‌ فكر عظم‌ قدمه‌ (محلّ المسح‌) فوضع‌ عليها مرارة‌ (مرارة‌ فوف‌ أو عجل‌ و ماشابه‌).

 ثم‌ جاء الي‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ و سأله‌ عن‌ كيفيّة‌ مسحه‌ في‌ الوضوء: فقال‌ الإمام‌ عليه‌ السّلام‌: يُعْرَفُ هَذَا وَ أَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: مَا جَعَلَ عَلَیكُمْ فِي‌ الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ إمْسَحْ عَلَی‌ الْمَرَاَةِ. فلا لزوم‌ لرفع‌ المرارة‌ لا إشكال‌ و المسح‌ علي‌ الرجل‌.

 و بهذا النحو علّمه‌ الإمام‌ حكم‌ الجبيرة‌. و هذا هو معني‌' الجبيرة‌، و قد كان‌ الإمام‌ في‌ مقام‌ تعليم‌ هذا الامر: إنّ القرءان‌ قد أوجب‌ عليك‌ الوضوء ابتداءًفَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إلَی‌ الْمَرَافِقِ وَ أَمْسِحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَ أَرْجُلِكُمْ إلَی‌ الْكَعْبَيْنَ[14].  فيجب‌ مسح‌ الارجل‌ الي‌ الكعبين‌. إذن‌ فقد ضمّ عليه‌ السلام‌ أصل‌ ءاية‌ وجوب‌ الوضوء مع‌ ءاية‌: مَا جَعَلَ عَلَیكُمْ فِي‌ الدِّين‌ مِنْ حَرَجٍ [15]،  فإذا رُفعت‌ المرارة‌ أو الجبيرة‌ و مُسح‌ علي‌ القدم‌ فانّ ذلك‌ سيكون‌ مسبباً للحرج‌. لذا فانّ أصل‌ الوضوء إذن‌ ثابت‌، و حرجيّته‌ مرفوعة‌، فتكون‌ النتيجة‌ أن‌ أَمْسَحْ عَلَی‌ الْمَرَارَةِ.

 و كذلك‌ الامر في‌ مسألة‌ ذلك‌ المريض‌ الذي‌ أجنب‌ حين‌ مرضه‌، فقام‌ أقرباؤه‌ بغلسه‌ ممّا سبّب‌ موته‌، فقد جاء فِي‌ الرواية‌ فَكُرَّ فَمَاتَ أي‌ أبتلِي‌ بمرض‌ الكُزاز و مات‌، سمع‌ الإمام‌ بذلك‌ انزعج‌ انزعاجاً شديداً و قال‌: قَتَلُوهُ! قَاتَلَهُمُ اللَهُ، أَلاَ يَمَّمُوهُ ؟ أَلاَ سَأَلُوا ؟

 ماذا تعني‌ أَلاَ يَمَّحُدُه‌ ؟ إنّها تعني‌ انّ عليه‌ أن‌ يعرفوا وظيفتهم‌ من‌ أنّه‌ اذا ما مرض‌ شخص‌ ما و كان‌ استعمال‌ الماء مضرّاً له‌ فانّ هذا الشخص‌ لايكون‌ واجداً للماء. و في‌ القرءآن‌ المجيد: فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبَاً[16].  و لقد كان‌ الإمام‌ يريد إفهامهم‌ أنّ عدم‌ وجدان‌ الماء ليس‌ عدم‌ وجدانه‌ في‌ الخارج‌ فحسب‌ و أنّما المقصود من‌ عدم‌ الوجدان‌ عدم‌ التمكّن‌. فلو لم‌ تكونوا متمكنين‌ من‌ الماء، سواء لعدم‌ وجدانه‌ في‌ الخارج‌ أم‌ بسبب‌ المرض‌ و نحوه‌ فأنتم‌ غير واجدين‌ للماء. و عند ما تكونون‌ غير واجدين‌ للماء فالوظيفة‌ هي‌ التيمّم‌.

 لقد كان‌ يجب‌ عليكم‌ أن‌ تيمّموا هذا المسكين‌، فأخذتموه‌ و غسّلتموه‌ متشبثين‌ برأيكم‌ فقتلتموه‌: قَتَلُوهُ ! قَاتَلَهُمُ اللَه‌.

 يقول‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌: علينا تعليم‌ الاُصول‌ و الاحكام‌ الكليّة‌ و بيانها لكم‌ و عليكم‌ تفريع‌ الفروع‌. لقد كان‌ أصحاب‌ الإمام‌ و طلاّبه‌ يبلغون‌ الاجتهاد في‌ فن‌ تفريع‌ الفروع‌ و كانوا يفعلون‌ ذلك‌ بأنفسهم‌ و يستدلّون‌ بآيات‌ القرآن‌. و كان‌ هذا هو منهج‌ الإمامين‌ الباقر و الصادق‌ و سائر الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

كان‌ النهي‌ عن‌ الولاية‌ والقضاء لغير المعصوم‌ نهياً عن‌ الولاية‌ والقضاء الاستقلاليّين‌

 بناءً عليه‌ فقد كان‌ باب‌ الاجتهاد مفتوحاً في‌ زمان‌ نفس‌ الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌. و كان‌ هناك‌ مجتهدون‌ في‌ كلّ مدينة‌ من‌ كبار المؤمنين‌ و الشيعة‌ و أهل‌ الوثوق‌ و العدالة‌، يرجع‌ الناس‌ اليهم‌ و كانوا يقومون‌ بالإفتاء و القضاء في‌ البلاد بين‌ الناس‌ بصفتهم‌ و كلإ عن‌ الإمام‌ المعصوم‌.

 فإذا كان‌ الامر كذلك‌ فكيف‌ يمكن‌ القول‌ بأنّ القضاء و الحكومة‌ منحصران‌ بالنبيّ أو وصي‌ النبيّ ؟!

 و قد أجاب‌ العلاّمة‌ المرحوم‌ المجلسي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ عن‌ هذه‌ المسألة‌ في‌ «مرآة‌ العقول‌» وفقاً لهذه‌ الروايات‌ التي‌ بيّناها، فقال‌: وَ لاَ يَخْفَي‌ أنَّ هَذِهِ الاخْبَارَ تَدُلُّ بِظَواهِرِها عَلَی‌ عَدَم‌ جَوازِ الْقَضَآءِ لِغَيْرِ الْمَعْصُومِ؛ وَ لاَ رَيْبَ أَنَّهُمْ عَلَیهِمُ السَّلاَمُ كَانُوا يَبْعَثُونَ الْقُضاةَ إلَی‌ الْبِلادِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَی‌ أَنَّ الْقَضَآءَ بِالإصَالَةِ لَهُمْ، وَ لاَ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ تَصَدِّي‌ ذَلِكَ إلاَّ بِإِذْنِهِمْ، وَ كَذَا فِي‌ قَولِهِ عَلَیهِ السَّلامُ: «لاَ يَجْلِسُهُ إِلاَّ نَبِيُّ» أي‌ بِالاصَالَةِ. والْحَاصِلُ أَنَّ الْحَصْرَ إضافِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَی‌ مَنْ جَلَسَ فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ وَ نَصِيبِهِمْ عَلَیهِمُ السَّلام‌. [17]

 فمفاد جوابه‌ رحمة‌ الله‌ هو أنّنا بعد أن‌ علمنا و كان‌ مسلّماً لدينا أنّ نفس‌ الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌ كانوا يرسلون‌ أشخاصاً غير معصومين‌ إلي‌ الاطراف‌ للقضاء بين‌ الناس‌، فيجب‌ علينا أن‌ نحمل‌ هذه‌ الاخبار علي‌ القضاء بالاصالة‌. أي‌ أنّه‌ من‌ المحرَّم‌ و غير الجائز أن‌ يقوم‌ شخص‌ ما بالقضاء في‌ مكان‌ ما من‌ قِبل‌ نفسه‌ و دونها إذن‌ من‌ الإمام‌ أو إجازة‌ و تنصيب‌ منه‌. و انّ من‌ يقوم‌ بهذا العمل‌ سيكون‌ شقيّاً حتماً و تشمله‌ واتَّقُوا الْحُكُومَةَ.

 أمّا إذا كان‌ ذلك‌ بإذن‌ منهم‌ و نيابة‌ عنهم‌ و كان‌ منصوباً و مجازاً من‌ قبل‌ هم‌ عليهم‌ السلام‌ فكانّه‌ أنفسهم‌. و لا تنافي‌ بين‌ هاتين‌ المجموعتين‌ من‌ الاخبار. فيجب‌ ـ إذن‌ ـ حمل‌ هذه‌ الاخبار علي‌ أنّ القضاء بالاصالة‌ مختصّ بالنبي‌ الاكرم‌ الائمّة‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ و سلامه‌ عليهم‌ اجمعين‌.

 فقوله‌ عليه‌ السلام‌: لاَ يَجْلِسُهُ إِلاَّ نبيُّ أي‌ بالاصالة‌. ففي‌ هذا المجلس‌ الذي‌ جلسه‌ شريح‌ لايجلس‌ بالاصالة‌ إلاَّ نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ. أمّا إذا كان‌ ذلك‌ بالإذن‌ و النيابة‌ فاغنّ لامر ليس‌ كذلك‌، بل‌ يجلس‌ في‌ هذا المجلس‌ غير النبيّ و الوصيّ و الشقيّ أيضاً، مثل‌ شريح‌ الذي‌ قد جلس‌ في‌ هذا المجلس‌ من‌ قبل‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السّلام‌ حيث‌ نصّبه‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ فيه‌.

 شريح‌ له‌ تاريخ‌ طويل‌، فقد كان‌ إيراني‌ الاصل‌ و مقيماً في‌ اليمن‌، و كان‌ من‌ اُولئك‌ الإيرانيين‌ الذين‌ أرسلهم‌ أنوشيروان‌ ـ و هم‌ حوالي‌ اثنا عشر ألف‌ رجل‌ ـ الي‌ اليمن‌ لمساعدة‌ أهلها، فقام‌ المهاجرون‌ القادمون‌ من‌ أفريقيا الذين‌ أخذوا تلك‌ الولاية‌ بإخراجهم‌ جميعاً. و السبب‌ في‌ أن‌ عدداً كبيراً من‌ الإيرانيين‌ كانوا ساكنين‌ في‌ اليمن‌ هو كونهم‌ من‌ هؤلإ. و من‌ بين‌ هؤلإ: باذان‌ (ملك‌ اليمن‌) و رسولاه‌ بابويه‌ و خرخُسره‌ اللذان‌ جاءا الي‌ النبيّ و حملا جواب‌ رسالة‌ خسرو پرويز عندما مزْق‌ رسالة‌ النبيّ. و قد كانا ايرانيين‌، و شريح‌ هذا منهم‌، هذا و قد نصبه‌ عمر في‌ زمان‌ خلافته‌ للقضاء في‌ الكوفة‌، و كان‌ متولياً للقضاء طوال‌ مدّة‌ خلافة‌ عثمان‌ أيضاً، كما كان‌ باقياً في‌ ذلك‌ العمل‌ زمان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أيضاً و فنال‌ تجربة‌ طويلة‌ الامد و صار متمكناً للغاية‌ كما بلغ‌ غاية‌ الشيخوخة‌ و الهرم‌، و قيل‌ انّه‌ عاش‌ فكثر من‌ مائة‌ سنة‌.

 و في‌ زمان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لم‌ يكن‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ راضياً كثيراً عن‌ أحكامه‌ القضائيه‌، فقد كان‌ تصدر منه‌ بعض‌ الاخطاء أحياناً. لذا عزله‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ ممّا آثار ضجيج‌ و غوغاء بعض‌ الناس‌ بزعم‌ انّ عليّاً عليه‌ السلام‌ قد عزل‌ قاضياً ذا تجربة‌ طويلة‌ ياس‌ القضاء هنا ما يقارب‌ عشرين‌ سنة‌ من‌ زمان‌ عمر و عثمان‌ الي‌ الآن‌ ! فاضطر الإمام‌ عليه‌ السلام‌ الي‌ إعادة‌ نصبه‌).

 و الإمام‌ عليه‌ السلام‌ يُسير إليه‌ ليلتنفت‌ الي‌ مقامه‌ و مركزه‌ و انّ هذا المقام‌ دقيق‌ الي‌ درجة‌ أنّ هذا المجلس‌ إمّا مجلس‌ نبيّ أو شقيّ، و أنّه‌ لو خرج‌ عن‌ الحدّ لكان‌ شقيّاً قطعاً.

 و أتمّ و أكمل‌ رواية‌ وردت‌ حول‌ ولايد امءمام‌ عليه‌ السلام‌ هي‌ ارواية‌ اليت‌ يرويها الكلينيّ قدس‌ سرّه‌ عن‌ أبي‌ محمّد القاسم‌ بن‌ العلإ، مرفوعاً عن‌ عبدالعزيز بن‌ مسلم‌، عن‌ الإمام‌ أبي‌ الحسن‌ الرضا عليه‌ السّلام‌، و هي‌ رواية‌ طويلة‌ جدّاً. حيث‌ يأتي‌ عزيز بن‌ مسلم‌ الي‌ الإمام‌ في‌ مرو و يقول‌ له‌ ما مضمونه‌: لقد كنت‌ في‌ المسجد و رأيت‌ الناس‌ يتكلّمون‌ حول‌ الإمامة‌ و الحكومة‌ و أمثال‌ ذلك‌ من‌ المسائل‌. فأجابه‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بجواب‌ طويل‌.

 و قد نُقلت‌ هذه‌ الرواية‌ بكاملها في‌ «الكافي‌» و هي‌ تنطوي‌ علي‌ و ضامين‌ راقية‌ جدّاً، و أنّ الولاية‌ في‌ الاساس‌ هي‌ من‌ شأن‌ الإمام‌ و من‌ مختصاته‌ و قد وضعت‌ لاجله‌.

 مِن‌ جملة‌ الامور التي‌ بيّنتها هذه‌ الرواية‌ هو إِنَّ الإمَامَةً أَجَلُّ قَدْراً و أَعْظَمُ شَأنَاً وَ أَعْلَي‌ مَكَاناً وَ أَمْنَعُ جَانِباً وَ أَبْعَدُ غَوْْرَاً مِنْ أَن‌ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَوْ سَنَالُوهَا بِآرَآئِهِمْ أَوْ يُقِيمُوا إمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ [18]

 لانّ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ يختاره‌ الناس‌ أنّما يكون‌ وفقاً لإدراكهم‌ و درايتهم‌، بينما مقام‌ الإمام‌ موضع‌ لايناله‌ فكرٌ أحدٍ و لايصل‌ إليه‌، فكيف‌ ينصب‌ الإنسان‌ شخصاً للإمامة‌ باختياره‌. إنّ فالإمامة‌ إذن‌ ليست‌ انتخابية‌ و أنّما هي‌ بالتعيين‌ من‌ الله‌ جلّ شأنه‌. و علي‌ الناس‌ اتّباعُ امءمام‌ المعصوم‌ وفقاً لكرائلا الآيات‌ القرآنيّة‌. كانت‌ هذه‌ روايات‌ حول‌ ولاية‌ الإمام‌. و سنرد فيمايلي‌ بحث‌ ولاية‌ الفقيه‌ إن‌ شاءالله‌ لنري‌ من‌ أي‌ طريق‌ يمكن‌ إثباتها.

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی‌ مِحَمَّدٍ وَ ءَالِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف گرایی بلای جامعه برانداز
قرآن : وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الأَکْبَرِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ  (سوره سجده، آیه 21)ترجمه: به آنان از عذاب نزدیک (عذاب این دنیا) پیش از عذاب بزرگ (آخرت) مى چشانیم، شاید باز گردند.توضیح : مصرف گرایی بدون تولید مناسب سبب می شود تا قیمت ها در جامعه افزایش پیدا کند و گرانی (که در احادیث به عنوان یکی از عذابهای دنیوی عنوان شده) در جامعه شایع شود.حدیث: وَ لِلّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَادٌ مَلاعِينُ مَنَاكِيرُ لا يَعِيشُونَ وَ لا يَعِيشُ النَّاسُ فِي أكْنَافِهِمْ وَ هُمْ فِي عِبَادِهِ بِمَنْزِلَة الْجَرَادِ لا يَقَعُونَ عَلَي شَيْ‏ءٍ إلاّ أتَوْا عَلَيْهِ. (اصول کافی،...

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید