الدرس‌ الثاني‌ والعشرون‌

الدرس‌ الثاني‌ والعشرون‌:

 الدليل‌ العقلي‌ّ القطعي‌ّ علی لزوم‌ تشكيل‌ الحكومة‌

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

 

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

 ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ

حاجة‌ المجتمع‌ إلی الحافظ‌ للامانات‌ الإلهيّة‌والقائم‌بهداية‌الناس‌

 من‌ الروايات‌ التي‌ يمكن‌ الاستدلال‌ بها علی ولاية‌ الفقيه‌ هي‌ الرواية‌ التي‌ يرويها الصدوق‌ رحمة‌ الله‌ علیهفي‌ « علل‌ الشرائع‌ » بإسناده‌ عن‌ الفضل‌بن‌ شاذان‌، عن‌ أبي‌ الحسن‌ الرضا علیه السلام‌ [15]، إلی أن‌ قال‌:

 فَإنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلِمَ جَعَلَ أُولِي‌ الاَمْرِ وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِم‌؟

 قِيلَ: لِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ.

 مِنْهَا: أَنَّ الخَلْقَ لَمَّا وُقِفُوا عَلَی حَدٍّ مَحْدُودٍ، وَأُمِرُوا أَنْ لاَيَتَعَدَّوا تِلكَ الحُدُودَ لِمَا فِيهِ مِن‌ فَسَادِهِمْ، لَمْ يَكُنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ وَلاَ يَقُومُ إلاَّ بِأَنْ يَجْعَلَ عَلَیهِ مْ فِيهَا أَمِيناً يَأْخُذُهُمْ بِالوَقْتِ عِنْدَمَا أُبِيحَ لَهُمْ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّعَدِّي‌ عَلَی مَا حَظَرَ عَلَیهِ مْ؛ لاَنـَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَكَانَ أَحَدٌ لاَ يَتْرُكُ لَذَّتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ لِفَسَادِ غَيْرِهِ فَجُعِلَ عَلَیهِ مْ قَيِّمٌ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الفَسَادِ وَيُقِيمُ فِيهِمُ الحُدُودَ وَالاَحْكَامَ.

 هذه‌ إحدي‌ علل‌ جعل‌ أُولي‌ الامر.

 وَمِنْهَا: أَنَّا لاَ نَجِدُ فِرْقَةً مِنَ الفِرَقِ وَلاَ مِلَّةً مِنَ المِلَلِ بَقُوا وَعَاشُوا إلاَّ بِقَيِّمٍ وَرَئِيسٍ لِمَا لاَبُدَّ لَهُمْ مِنْهُ فِي‌ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ فَلَمْ يَجُزْ فِي‌ حِكْمَةِ الحَكِيمِ أَنْ يَتْرُكَ الخَلْقَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنـَّهُ لاَبُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَلاَ قِوَامَ لَهُمْ إلاَّ بِهِ، فَيُقَاتِلُونَ بِهِ عَدُوَّهُمْ، وَيُقَسِّمُونَ بِهِ فَيْئَهُمْ ( الغنائم‌ والمنافع‌ والفوائد )، وَيُقِيمُونَ بِهِ جُمُعَتَهُمْ وَجَمَاعَتَهُمْ، وَيُمْنَعُ ظَالِمُهُمْ مِنْ مَظْلُومِهِمْ.

 وَمِنْهَا: أَنـَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إمَاماً قَيِّماً أَمِيناً حَافِظاً مُسْتَوْدَعاً لَدَرَسَتِ المِلَّةُ، وَذَهَبَ الدِّينُ، وَغُيِّرَتِ السُّنَنُ وَالاَحْكَامُ، وَلَزَادَ فِيهِ المُبْتَدِعُونَ، وَنَقَصَ مِنْهُ المُلْحِدُونَ، وَشَبَّهُوا ذَلِكَ عَلَی المُسْلِمِينَ؛ إذْ قَدْ وَجَدْنَا الخَلْقَ مَنْقُوصِينَ مُحْتَاجِينَ غَيْرَ كَامِلِينَ، مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ وَاخْتِلاَفِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ حَالاَتِهِمْ؛ فَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا قَيِّماً حَافِظاً لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ الاَوَّلُ لَفَسَدُوا عَلَی نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ وَغُيِّرَتِ الشَّرَائِعُ وَالسُّنَنُ وَالاَحْكَامُ وَالإيمَانُ، وَكَانَ فِي‌ ذَلِكَ فَسَادُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ. [16]

 وهذه‌ هي‌ العلّة‌ الثالثة‌ التي‌ يذكرها الإمام‌ الرضا علیه السلام‌ لجعل‌ أُولي‌ الامر ونصبهم‌.

 فمستودع‌ يعني‌ مخزن‌، أي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ قلب‌ الإمام‌ وصدره‌ مخزناً للاسرار الإلهيّة‌، وأن‌ يري‌ الله‌ ذلك‌ الصدر والقلب‌ والفكر والإدراك‌ ذا سعة‌ وقابليّة‌ لكي‌ يضع‌ فيه‌ تلك‌ الاسرار كوديعة‌، فيقوم‌ قلب‌ ذلك‌ الولي‌ّ والإمام‌ بحفظها وحراستها دون‌ أن‌ يفقد تلك‌ الامانات‌ الإلهيّة‌ أو يضيّعها.

 ورد في‌ « أقرب‌ الموارد » في‌ مادّة‌ «وَدَعَ»: اسْتَوْدَعَهُ مالاً، أي‌ اسْتَحْفَظَهُ إيّاهُ، أي‌ دَفَعَهُ لَهُ وَديعَةً يَحْفَظُهُ؛ يُقالُ: اسْتَوْدَعْتُهُ الوَديعَةَ وَالوَدائِع‌.

 فيجب‌ إذَن‌ أن‌ يكون‌ الإمام‌ هكذا.

 وأورد هذه‌ الرواية‌ خالنا الاكرم‌ الحاجّ الملاّ أحمد النراقي‌ّ قدّس‌الله‌ نفسه‌ في‌ كتابه‌ الشريف‌ « عوائد الايّام‌ » لإثبات‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 أقول‌: الاَولي‌ أن‌ نجعل‌ هذه‌ الرواية‌ الشريفة‌ من‌ أدلّة‌ ولاية‌ الإمام‌ علیه السلام‌، لانـّها وردت‌ في‌ بيان‌ علل‌ احتياج‌ الناس‌ لاُولي‌ الامر. ونحن‌ نعلم‌ أنَّ الائمّة‌ علیهم السلام‌: هُمُ المَخْصوصونَ بِهَذا العِنْوان‌.

 وأُولوالامرفي لسان‌القرآن‌هم‌الائمّة‌فقط‌،والآخرون‌ليسواواجدين‌ لمقام‌ العصمة‌. وقد حدّد النبي‌ّ عدد أُولي‌ الامر، وورد ذلك‌ في‌ كتب‌ الشيعة‌ والسنّة‌، بل‌ وورد ذكر أُولي‌ الامر الاثني‌ عشر جميعاً في‌ كتب‌ صحاح‌ أهل‌ السنّة‌. والآن‌، لو سألتم‌ أيّاً من‌ علمائهم‌: من‌ هم‌ هؤلاء الاثناعشر خليفة‌ الذين‌ ذكرتموهم‌ في‌ كتبكم‌ نقلاً عن‌ النبي‌ّ « الخلفاء من‌ بعدي‌ اثنا عشر » [17]؟ فلن‌ تجد لديهم‌ جواباً! إذَن‌ فديننا ليس‌ ديناً مختلقاً!

 لقد جعل‌ القرآن‌ وجوب‌ الإطاعة‌ لعنوان‌ أُولي‌ الامر. ولا نستطيع‌ أن‌ نطلق‌ أُولي‌ الامر ـطبقاً لتفسير نفس‌ القرآن‌ والاخبار المستفيضة‌ـ علی غيرالإمام‌ المعصوم‌. وعلي‌ هذا، فإنَّما يمكن‌ الاستدلال‌ بهذه‌ الرواية‌ علی وجوب‌ إطاعة‌ وقيمومة‌ وإمامة‌ المعصوم‌ فقط‌.

 اللَهُمّ إلاَّ أن‌ يُقال‌: إنَّ هذه‌ العلل‌ المذكورة‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ للناس‌ المحتاجين‌ إلی قيّم‌، لكي‌ يقيم‌ الصلة‌ بينهم‌، ويؤسّس‌ مجتمعهم‌، ويوقفهم‌ عند حدودهم‌، ولا يسمح‌ لهم‌ بالتجاوز عن‌ تلك‌ الحدود أو بالإضرار بمصالح‌ بعضهم‌ من‌ أجل‌ زيادة‌ لذّاتهم‌ وشهواتهم‌، ولكي‌ يسير بهم‌ في‌ الصراط‌ المستقيم‌ والمنهاج‌ القويم‌ في‌ الدين‌ والدنيا، وهذه‌ العلل‌ موجودة‌ أيضاً في‌ زمان‌ الغيبة‌ بِعَيْنِ ما هِي‌َ مَوْجودَةٌ في‌ زَمَنِ الحُضور.

 وبناءً علی هذا، فيجب‌ أن‌ يُعيِّن‌ الإمام‌ علیه السلام‌ أشخاصاً من‌ الاُمّة‌، إمَّا علی وجه‌ التنصيص‌ الخاصّ، أو علی وجه‌ العموم‌، لكي‌ يتولّوا أُمور الناس‌ وتكون‌ لهم‌ ولاية‌ علی هم‌. وليس‌ هؤلاء إلاّ الفقهاء العدول‌ المأمونين‌ علی دين‌ الناس‌ ودنياهم‌، والحافظين‌ للشريعة‌ الإلهيّة‌ الغرّاء والخبراء بالوقائع‌ وأهل‌ البصيرة‌ بالاُمور.

 ولذا، نستطيع‌ بواسطة‌ هذا المتمّم‌ للبيان‌ والبرهان‌ أن‌ نستفيد من‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ ولاية‌ الفقيه‌ في‌ زمان‌ الغيبة‌ أو زمان‌ الحضور، حيث‌ يكون‌ الإمام‌ في‌ السجن‌ أو في‌ النفي‌ أو يعيش‌ متخفّياً ولايستطيع‌ الناس‌ أن‌ يصلوا إليه‌.

 ومضمون‌ هذه‌ الرواية‌ العالي‌ التي‌ يذكرها الإمام‌ علیه السلام‌ هنا هو نفس‌ مضمون‌ ذلك‌ الاستدلال‌ العقلي‌ّ الذي‌ كنّا نذكره‌ لكثير من‌ الاصدقاء، ولاسيّما في‌ بداية‌ الثورة‌، حيث‌ كان‌ كثير من‌ الاشخاص‌ الذين‌ لايفقهون‌ معني‌ ولاية‌ الفقيه‌ يراجعون‌ ويسألون‌ عن‌ هذا الإسلام الذي‌ يجب‌ أن‌ يقام‌ علی أساس‌ ولاية‌ الفقيه‌، كيف‌ سيكون‌؟ وماذا يعني‌ أن‌ يأتي‌ من‌ يلبس‌ العمامة‌، لكي‌ تكون‌ له‌ الحكومة‌ علی جميع‌ الناس‌؟ وما هو تفسير ذلك‌؟ ونحن‌ لانفهم‌ معني‌ لولاية‌ الفقيه‌، فكنّا نجيب‌ علی أسألتهم‌ من‌ خلال‌ شرح‌ مقتضب‌، وكانوا يقنعون‌ به‌ جميعاً، وبيان‌ ذلك‌:

 الرجوع الي الفهرس

أنواع‌ الحكومات‌ البشريّة‌، ووجود الحكومة‌ بين‌ المتوحّشين و...

 نري‌ أنـّه‌ لو رأيت‌ أيّة‌ طائفة‌ أو جماعة‌ في‌ العالم‌ أن‌ تقوم‌ بعمل‌ جماعي‌ّ فإنَّها تحتاج‌ إلی رئيس‌، إذ من‌ الصحيح‌ أنَّ القيام‌ بالاعمال‌ الفرديّة‌ والشخصيّة‌ لا يحتاج‌ إلی قيّم‌، مثل‌ الاكل‌ أو الصلاة‌، ولكنَّ الاعمال‌ التي‌ تمارس‌ بشكل‌ جماعي‌ّ بخلاف‌ ذلك‌، فالاشخاص‌ الذين‌ يريدون‌ الذهاب‌ إلی الحجّ يحتاجون‌ إلی مدير للحملة‌ أو أمير للحاجّ يقوم‌ بترتيب‌ أُمورهم‌ وتنظيمها، ويكون‌ علیهفي‌ هذا السفر أن‌ يجمعهم‌ علی أساس‌ واحد ويبدّل‌ تشتّتهم‌ إلی تجمّع‌ منظّم‌ بحسن‌ إدارته‌ وقوّة‌ تفكيره‌.

 وعلي‌ هذا، فالسيرة‌ العقلائيّة‌ الضروريّة‌ ـحسب‌ ما يشير إليه‌ التأريخ‌ـ قائمة‌ علی أنَّ كلّ جماعة‌ تجتمع‌ تحت‌ راية‌ معيّنة‌ أو تقصد الذهاب‌ إلی الحرب‌ أو دفع‌ عدوٍّ ما علی ها أن‌ تختار رئيساً يكون‌ الاصلح‌ في‌ إدارة‌ الحرب‌ ودفع‌ المعتدين‌، وينبغي‌ أن‌ يكون‌ أشجع‌ من‌ الجميع‌، وأقلّهم‌ خوفاً، وأفضلهم‌ فكراً وحزماً في‌ كيفيّة‌ المواجهة‌ مع‌ العدوّ. ووجود هكذا رئيس‌ ضرورة‌ ملحّة‌.

 وكذلك‌ لو أراد أهالي‌ منطقة‌ ما تشكيل‌ مدرسة‌، فإنَّهم‌ يختارون‌ لتلك‌ المدرسة‌ رئيساً ليدير أُمور الاشخاص‌ علی اختلاف‌ أفكارهم‌. وهذه‌ سيرة‌ مستمرّة‌ بين‌ جماعات‌ الناس‌، ولم‌ نَرَ جماعة‌ بدون‌ رئيس‌ في‌ جميع‌ أنحاء العالم‌، وحتّي‌ متوحّشي‌ إفريقيا والغابات‌ ثمّة‌ رئيس‌ بينهم‌، ممّا يدلّ علی أنَّ قضيّة‌ وجود رئيس‌ والخضوع‌ لولايته‌ أمر مستمرّ، سواء كان‌ ذلك‌ الرئيس‌ إنساناً عاقلاً ومخلصاً أم‌ مستبدّاً، فأكثر الملوك‌ مستبدّون‌، لكنّهم‌ رؤساء لاقوامهم‌، وبيدهم‌ كلّ مجاري‌ الاُمور الاجتماعيّة‌ لاقوامهم‌ من‌ أمر ونهي‌.

 فهذه‌ إحدي‌ طرق‌ إدارة‌ المجتمع‌، وثمّة‌ طريقة‌ أُخري‌ هي‌ الطريقة‌ الجمهوريّة‌، حيث‌ يكون‌ مركز القرار الاخير بعد اللتيا والتي‌ وانعقاد المجالس‌ المتعدّدة‌، وطرح‌ الآراء والافكار المختلفة‌ هو نفس‌ رئيس‌ الجمهوريّة‌ أيضاً، فما لم‌ يأمر لا يتمّ التنفيذ، ومنه‌ يصدر الامر وينزل‌ إلی باقي‌ الطبقات‌.

 ومن‌ أقسام‌ الحكومة‌ أيضاً، الحكومة‌ الدستوريّة‌، حيث‌ لاتعطي‌ للملك‌ فيها مسؤوليّة‌، بل‌ تكون‌ المسؤوليّة‌ للمجلس‌، ويُعطي‌ الملك‌ حقّ التقرير، فلاينفّذ ما يقرّه‌ المجلس‌ دون‌ إقرار الملك‌ لذلك‌. فيكون‌ تقرير الملك‌ الجزء الاخير من‌ العلّة‌ التامّة‌ في‌ صدور ذلك‌ الامر ولزومه‌، ويكون‌ الامر أمر الملك‌.

 وتجري‌ الاُمور في‌ الإسلام علی أساس‌ هذه‌ السيرة‌ العقلائيّة‌ أيضاً، وذلك‌ لانَّ الاساس‌ هو أساس‌ النبوّة‌ والحكومة‌ العادلة‌، وأنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ، و الدُّنْيَا مَتْجَرَةُ الآخِرَةِ؛ وهو قائم‌ علی التضحية‌ والإيثار والتسامح‌، وعلي‌ هداية‌ جميع‌ البشر، والجهاد علی أساس‌ الحدود الإنسانيّة‌، وعلي‌ التقوي‌ والتعاون‌، وعلي‌ الفقاهة‌ والعلم‌. فالقرآن‌ كتاب‌ يدعو إلی العلم‌، ويسير بالمجتمع‌ علی أساس‌ العلم‌، ومن‌ الطبيعي‌ّ وجوب‌ كون‌ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ يعيّنه‌ الإسلام علی المسلمين‌ هو أعقل‌ من‌ في‌ الاُمّة‌، وأعلمهم‌، وأكثرهم‌ فقهاً بكتاب‌ الله‌، وأعرفهم‌ بسنّة‌ النبي‌ّ ونهجه‌، وأكثرهم‌ تقوي‌ واجتهاداً في‌ الإعراض‌ عن‌ الدنيا، وأوسعهم‌ صدراً، وأعلاهم‌ همّة‌ وشجاعة‌، وأقواهم‌ نفساً، وأقدرهم‌ تدبيراً، متجاوزاً لهوي‌ نفسه‌، ومتّصلاً بعالم‌ الغيب‌، عابراً للجزئيّة‌ وواصلاً إلی الكلّيّة‌، وذلك‌ لانـّه‌ يريد أن‌ يسير بالناس‌ في‌ صراط‌ الدين‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

      

ارجاعات

[1] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 35، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[2] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[3] ـ  «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 18، ص‌ 101 أبواب‌ صفات‌ القاضي‌، حديث‌ 9.

[4] ـ «كتاب‌ الحجّ» ج‌ 3، ص‌ 348، طبعة‌ النجف‌.

[5] ـ«نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الرسائل‌، رسالة‌ 53؛ وفي‌ «نهج‌ البلاغة‌» طبعة‌ مصر بتعليقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 2، ص‌ 94.

[6] ـقسم‌ من‌ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[7] ـ «المغازي‌» للواقدي‌ّ، ج‌ 3، ص‌ 1073 و 1075.

[8] ـالآية‌ 118، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[9] ـالآية‌ 122، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[10] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، كتاب‌ فضل‌ العلم‌، باب‌ 2، ص‌ 32، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌ بطهران‌.

[11] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، كتاب‌ فضل‌ العلم‌، باب‌ 4، ص‌ 34.

[12] ـ  «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 46.

[13] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، باب‌ صفة‌ العلم‌ وفضله‌ وفضل‌العلماء، ص‌ 33، حديث‌ 5، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌.

[14] ـ «ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، باب‌ فقد العلماء، ص‌ 38، حديث‌ 3، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌.

[15] ـ هذه‌ الرواية‌ طويلة‌ جدّاً، وهي‌ في‌ كتاب‌ «علل‌ الشرائع‌» ج‌ 1، حديث‌ 9، باب182 «علل‌ الشرائع‌ وأُصول‌ الاءسلام‌» ص‌ 251 إلي‌ 275 يعني‌ قد استوعبت‌ 24 صفحة‌ تقريباً من‌ صفحات‌ القطع‌ الوزيري‌ّ، وفقرات‌ مورد الاستشهاد في‌ ص‌ 253. وأصل‌ الرواية‌ هكذا: حَدَّثَني‌ عَبْدُ الواحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدوسِ النَّيْسابوري‌ِّ العَطَّارِ، قالَ: حَدَّثَني‌ أبوالحَسَن‌ عَلِي‌ُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قُتَيبَةِ النَّيْسابُوري‌ُّ، قالَ: قالَ أبو مُحَمَّدٍ الفَضْلُ بنُ شاذانَ النَّيْسابوري‌ٌّ: إن‌ سَأَلَ سائِلٌ فَقَالَ: أَخْبِرنِي‌... وهنا يذكر الفضل‌ بن‌ شاذان‌ بنفسه‌ هذا الحديث‌ المطوّل‌ بكامله‌، وفي‌ نهايته‌ يروي‌ الشيخ‌ الصدوق‌ ـوالذي‌ هو راوي‌ هذا الحديثبنفس‌ هذا السند عن‌ علي‌ّ بن‌ محمّدبن‌ قتيبة‌ النيسابوري‌ّ أنـّه‌ قال‌: قلت‌ للفضل‌ بن‌ شاذان‌ لما سمعت‌ منه‌ من‌ هذه‌ العلل‌: أخبرني‌ عن‌ هذه‌ العلل‌ التي‌ ذكرتها عن‌ الاستنباط‌ والاستخراج‌ وهي‌ من‌ نتائج‌ العقل‌ أو ممّا سمعته‌ ï ïورويته‌؟فقال‌ لي‌: ما كنت‌ أعلم‌ مراد الله‌ بما فرض‌، ولا مراد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بما شرّع‌ وسنّن‌، ولا أُعلِّل‌ ذلك‌ من‌ ذات‌ نفسي‌، بل‌ سمعنا من‌ مولاي‌ أبي‌ الحسن‌ علي‌ّبن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ السلام‌ مرّة‌ بعد مرّة‌، والشي‌ء بعد الشي‌ء فجمعتها. فقلت‌: فأُحدِّث‌ بها عنك‌ عن‌ الرضا عليه‌ السلام‌؟ فقال‌: نعم‌.

 [16]ـذكر آية‌ الله‌ الحاجّ الملاّ أحمد النراقي‌ّ قدَّس‌ اللهُ سِرَّه‌ تلك‌ الفقرات‌ التي‌ أوردناها هنا من‌ الروايات‌ في‌ كتابه‌ «عوائد الايّام‌» ص‌ 187، حديث‌ 19، باب‌ تحديد ولاية‌ الحاكم‌، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[17] ـ وردت‌ روايات‌ كثيرة‌ في‌ كتب‌ الخاصّة‌ والعامّة‌ في‌ انحصار الائمّة‌ والخلفاء بعد النبي‌ّ باثني‌ عشر شخصاً، أُشير إلي‌ عدد منها في‌ «بحار الانوار» ج‌ 36، ص‌ 226 إلي373 الباب41 من‌ أبواب‌ تأريخ‌ أمير المؤمنين‌، طبعة‌ الآخوندي‌ّ؛ وفي‌ «ينابيع‌ المودّة‌» ص440 إلي447، البابان‌ 76 و 77، طبعة‌ إستانبول‌.

 

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

      

 

 

.

التعريف و الدليل

كلية الحقوق، محفوظة و متعلقة بموسسة ترجمة و نشر دورة علوم و معارف الاسلام

این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب ولاية الفقيه/ المجلد الثالث/ القسم السابع: شرائط الولی الفقیه، اخذ حق الضعیف من القوی، انتخاب الاکثریة لیس طریقا لتعی...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

 

      

الصفحة السابقة

إنّما توكل‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ إلی أعلم‌ وأورع‌ وأبصر وأعقل‌ الناس‌

 وللدين‌ بُعدان‌: ظاهر وباطن‌، دنيا وآخرة‌. ولا يمكن‌ للعالم‌ الذي‌ يكون‌ في‌ هذا الجانب‌ ولا يكون‌ في‌ ذلك‌ الجانب‌ أن‌ يسير بالناس‌ في‌ ذلك‌ المنهاج‌. وهو عبارة‌ عن‌ أعلم‌ الاُمّة‌ الذي‌ يكون‌ الاعلم‌ والافقه‌ بكتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌، والاورع‌ والابصر، وأوثق‌ الناس‌ وأشجعهم‌ وأكثرهم‌ خبرة‌، والذي‌ يكون‌ عقله‌ ودرايته‌ وسعة‌ صدره‌ بدرجات‌ أكبر من‌ جميع‌ الناس‌. وهذا أمر وجداني‌.

 وهنا نحتكم‌ إلی العقلاء من‌ الناس‌ أصحاب‌ الوجدان‌ الحي‌ّ أنـّه‌ هل‌ يمكنهم‌ تدوين‌ برنامج‌ لسعادة‌ الناس‌ أفضل‌ من‌ هذا؟ فهذا هو معني‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 من‌ الواضح‌ جدّاً أنَّ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ يصدر منه‌ الامر والنهي‌ في‌ المجتمع‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ شخصاً طاهراً، وذا دراية‌ وتفكير بالعواقب‌، وعليماً وخبيراً بأُمور الزمان‌، ويسير بالناس‌ في‌ طريق‌ السعادة‌. فهذا هو معني‌ ولاية‌ الفقيه‌ الذي‌ هو رئيس‌ لجميع‌ المذاهب‌ والملل‌ والسنن‌.

 يعتبر الإسلام وجوب‌ كون‌ الرئيس‌ بهذه‌ المواصفات‌، ولو فكرتم‌ حتّي‌ قيام‌ الساعة‌ فلن‌ تستطيعوا أن‌ تجدوا رئيساً أفضل‌ من‌ هذا. وإن‌ وجدتم‌ فلااعتراض‌ لنا، فإنَّا نختاره‌ وندع‌ ولاية‌ الفقيه‌ جانباً. وقد شاهدوا أخيراً وشاهدنا كيف‌ يجذب‌ رئيس‌ الجمهوريّة‌ الناس‌ في‌ الحكومات‌ الجمهوريّة‌ إلی أي‌ّ جهة‌ كانت‌، وكيف‌ يفرض‌ ذلك‌ الشخص‌ الديكتاتور والمستبدّ في‌ الملكيّة‌ الدستوريّة‌ في‌ الحكومات‌ الاستبداديّة‌ كلّ رأي‌ له‌ ليكون‌ الحكم‌ النهائي‌ّ علی ضوء ما يريد. وفي‌ الإسلام فأطهر وأطيّب‌ منهج‌ لهداية‌ الناس‌ هو طريق‌ ولاية‌ الفقيه‌، إذ عندما يكون‌ المجتمع‌ تحت‌ ولاية‌ فقيه‌ كهذا فسوف‌ يسوقهم‌ وفق‌ أفكاره‌ وآرائه‌، أي‌ بالعلم‌، وسوف‌ يجعل‌ جميع‌ الناس‌ علماء طاهرين‌، ومن‌ أهل‌ البصيرة‌ والخبرة‌، فيتمتّع‌ جميع‌ أفراد المجتمع‌ باستعداداتهم‌ وقواهم‌، ويوصلها إلی الفعليّة‌، ويوصل‌ كلّ شخص‌ إلی كماله‌ الإنساني‌ّ من‌ خلال‌ كماله‌.

 أمّا إذا تنازلنا عن‌ تلك‌ المرحلة‌، ووضعنا ولاية‌ الاُمور بِيَدِ شخص‌ ناقص‌، فإنَّه‌ لا يستطيع‌ سوق‌ الناس‌ نحو الكمال‌، إذ هو لا يفهم‌ الكمال‌ فكيف‌ يقود الناس‌؟! وذاك‌ كأن‌ يأتوا بشخص‌ ليدرّس‌ الدروس‌ العليا في‌ الحِكمة‌ مع‌ كونه‌ لا يعرف‌ منها شيئاً، أو درس‌ مقداراً قليلاً منها! أو يطلبون‌ من‌ شخص‌ لا يعرف‌ الفقه‌ أن‌ يقوم‌ بتدريسه‌!

 الولي‌ّ الفقيه‌ الذي‌ يعيّنه‌ الإسلام، يعني‌ أكمل‌ الافراد الذي‌ وصل‌ إلی مقام‌ الإنسانيّة‌ الكامل‌، والذي‌ قد طوي‌ الاسفار الاربعة‌ للعرفاء واتّصل‌ بعالم‌ الوحدة‌ بعد التجاوز عن‌ عالم‌ الكثرة‌ وصار يتحرّك‌ في‌ كلّ أمر مَعَ اللَه‌ وفِي‌ اللَه‌ وبِاللَه‌، ويمتلك‌ البقاء بعد الفناء؛ لانَّ الروح‌ التكوينيّة‌ والتشريعيّة‌ للناس‌ ستكون‌ بيده‌. فهل‌ تعلمون‌ ما الذي‌ سيحصل‌ لو سار بالاُمور وفق‌ إرادته‌؟ فنحن‌ لن‌ نحتاج‌ للذهاب‌ إلی الجنّة‌، إذ إنَّه‌ يستخدم‌ الجنّة‌ ويأتي‌ بها إلی هنا، ويجعل‌ الإنسان يعيش‌ فيها. وما بذل‌ للإنسان‌ في‌ مقابل‌ هذه‌ الدنيا كلّه‌ من‌ آثار ومظاهر وتجلّيات‌ هذه‌ الجنّة‌ الدنيويّة‌، وهذا هو معني‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 الرجوع الي الفهرس

لا يمكن‌ لاي‌ّ مجتمع‌ الصمود من‌ أجل‌ البقاء من‌ دون‌ حكومة‌

 عندما يكون‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌ في‌ السجن‌، أو الإمام‌ صاحب‌ الزمان‌ في‌ الغيبة‌، فما الذي‌ يفعله‌ الناس‌؟ علی هم‌ أن‌ يبذلوا الجهود لإخراج‌ الإمام‌ من‌ غيبته‌، وإلاّ سوف‌ يكونون‌ مسؤولين‌. لماذا يسمحون‌ بسجن‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیهما السلام‌؟ عندما يكون‌ الإمام‌ في‌ السجن‌ لا حقّ للناس‌ في‌ الجلوس‌ في‌ بيوتهم‌ قائلين‌ بما أنَّ الإمام‌ موسي‌بن‌ جعفر علیهما السلام‌ في‌ السجن‌ فلا مسؤوليّة‌ علی نا. كلاّ؛ فجميع‌ الناس‌ مكلّفون‌ في‌ جميع‌ مراحل‌ الغيبة‌ وأدوارها، وفي‌ فترة‌ عدم‌تمكّن‌ الإمام‌ المعصوم‌ علیه السلام‌ بتهيئة‌ الارضيّة‌ والإمكانيّات‌ للظهور. فإذا تهيّأت‌ الإمكانيّات‌ فإنَّ الإمام‌ سيظهر.

 وإذا لم‌ يتمكّن‌ الناس‌ من‌ ذلك‌، أو افتقروا إلی بعض‌ المقدّمات‌ لسبب‌ من‌ الاسباب‌، فهل‌ علی هم‌ أن‌ يتركوا أُمورهم‌ ويبقوا من‌ دون‌ رئيس‌؟ كلاّ؛ فلايمكن‌ أن‌ يكون‌ المجتمع‌ من‌ غير رئيس‌، فلابدّ من‌ متصدٍّ لاُمور المجتمع‌ بالضرورة‌.

 وهنا ينتهي‌ بنا الكلام‌ إلی ولاية‌ الفقيه‌ الاعلم‌، فيجب‌ أن‌ تكون‌ الولاية‌ بيد ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ لم‌ يصل‌ إلی مقام‌ العصمة‌ لكنّه‌ فقيه‌ وأعلم‌ ومجتهد جامع‌ للشرائط‌ وقد تمّت‌ فيه‌ الشرائط‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ الاُخري‌، وإذا لم‌ يكن‌ ثمّة‌ شخص‌ بهذه‌ المواصفات‌ فلا يجوز أن‌ تبقي‌ أُمور الناس‌ متوقّفة‌ أيضاً. فيجب‌ أن‌ يتولّي‌ أُمور الناس‌ الفقيه‌ غير الاعلم‌، وأن‌ يكون‌ جامعاً لصفاتهم‌ وكمالاتهم‌.وإذا لم‌ يوجد فقيه‌ أيضاً فيصل‌ الدور عندها إلی عدول‌ المؤمنين‌، لانـّه‌ عندما قلنا إنَّ المجتمع‌ لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ من‌ دون‌ رئيس‌ وقيّم‌، ولم‌ يكن‌ لدينا فقيه‌ بهذه‌ المواصفات‌، فإنَّ عدول‌ المؤمنين‌ يقومون‌ مكانه‌، وإذا لم‌ يكن‌ ثمّة‌ عدول‌ من‌ المؤمنين‌ فيصل‌ الدور إلی فسّاق‌ المؤمنين‌، فليحكم‌ فسّاق‌ المؤمنين‌ أيضاً علی الناس‌، فحكومتهم‌ أفضل‌ من‌ عدم‌ الولاية‌ ومن‌ عدم‌ وجود رئيس‌ المؤدّي‌ بجميع‌ أبناء البلاد إلی الهلاك‌ والعدم‌.

 فذلك‌ بالضبط‌ مثل‌ حالة‌ طفل‌ يتيم‌ توفّي‌ أبوه‌ وترك‌ أموالاً، فعندها يكون‌ الإمام‌ المعصوم‌ وليّاً لذلك‌ الطفل‌، إذ السُّلْطَانُ وَلِي‌ُّ مَنْ لاَ وَلِي‌َّ لَهُ. والمقصود من‌ السلطان‌ قوّة‌ السلطنة‌، أي‌ السلطة‌ التي‌ تمتلك‌ العصمة‌، وهو الإمام‌ المعصوم‌، وإذا لم‌ يكن‌ موجوداً فالفقيه‌ الاعلم‌، فإن‌ لم‌ يوجد فالعالم‌، وإلاّ فيتولّي‌ الامر عدول‌ المؤمنين‌، فيجب‌ أن‌ يتولّي‌ زيد ـ مثلاً، الذي‌ يمتلك‌ مقام‌ العدالة‌ والطهارة‌ـ الاُمور ويصرف‌ أموال‌ الطفل‌ في‌ مصالحه‌، وإذا لم‌يكن‌ موجوداً فيقوم‌ مقامه‌ الفاسق‌ المؤمن‌ ويحفظ‌ أموال‌ ذلك‌ الطفل‌، وذلك‌ لانـّه‌ إذا صدر من‌ الفاسق‌ فسق‌ فهذا أمر يتّصل‌ به‌ وهو لايأكل‌ مال‌ الطفل‌، وإذا كان‌ يرتكب‌ بعض‌ التصرّفات‌ غير اللائقة‌ فهذا ممّا لاعلاقة‌ له‌ بالطفل‌؛ وإذا كانت‌ الخيانة‌ تراوده‌ أحياناً، فهو أفضل‌ من‌ أن‌ يبقي‌ الطفل‌ من‌ دون‌ قيّم‌ ويواجه‌ أنواع‌ الابتلاءات‌ ويقضي‌ علیهبسبب‌ عدم‌الاهتمام‌ بأمر تكفّله‌.

 وهذه‌ النكتة‌ تبيّن‌ جامعيّة‌ وكمال‌ دين‌ الإسلام ومدي‌ اهتمامه‌ بالامر ملاحظته‌ له‌، حيث‌ فرض‌ وجود رئيس‌ وقيّم‌ للمجتمع‌ بأي‌ّ نحو كان‌: الاَهَمُّ فَالاَهَمُّ وَالاَكْمَلُ فَالاَكْمَل‌، كي‌ لا يُحرم‌ المجتمع‌ أي‌ّ وقت‌ من‌ الاوقات‌ من‌ الرئيس‌ والقيّم‌.

 لقد كان‌ الخوارج‌ في‌ زمن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ كمثل‌ فرقة‌ الفوضويّة‌ والعدميّة‌ ( النهليسيّة‌ ) في‌ زماننا، حيث‌ تسعي‌ الاُولي‌ إلی الفوضي‌ والاضطراب‌، والثانية‌ تنكر جميع‌ الاُمور.

 كانت‌ هذه‌ نيّة‌ الخوارج‌ وهدفهم‌ أيضاً. وهاتان‌ المجموعتان‌ تعارضان‌ تشكيل‌ أي‌ّ دولة‌، وتسعيان‌ بكلّ قواهما إلی ذلك‌. والخوارج‌ أيضاً كانوا معارضين‌ لتشكيل‌ حكومة‌ أمير المؤمنين‌ علیه السلام‌ ومعاوية‌ معاً، وكانوا يطالبون‌ تشكيل‌ حكومة‌ تحت‌ شعار لاَ حُكْمَ إلاَّ لِلَّهِ؛ وقد كشف‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ الحقيقة‌ في‌ خطبته‌ المختصرة‌.

 الرجوع الي الفهرس

لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَو فَاجِرٍ

 ينقل‌ السيّد الرضي‌ّ رحمة‌ الله‌ علیهفي‌ « نهج‌ البلاغة‌ » الخطبة‌ الاربعون‌، أنـّه‌: لَمّا سَمِعَ ] الإمام‌ [ قَوْلَهُمْ: لاَ حُكْمَ إلاَّ لِلَّهِ ( حكمك‌ باطل‌، حكم‌ الحكمين‌ باطل‌ ) قالَ علیهما السَّلامُ:

 كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ. نَعَمْ إنَّهُ لاَ حُكْمَ إلاَّ لِلَّهِ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ يَقُولُونَ: لاَ إمْرَةَ إلاَّ لِلَّهِ وَإنَّهُ لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي‌ إمْرَتِهِ المُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللَهُ فِيهَا الاَجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الفَي‌ءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ العَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ القَوِي‌ِّ، حَتَّي‌ يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ.

 وَفي‌ رِوايَةٍ أُخْرَي‌: أنـَّهُ علیهما السَّلامُ لَمّا سَمِعَ تَحْكيمَهُمْ قالَ:

 حُكْمَ اللَهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ (وَ قَالَ): أَمَّا الإمْرَةُ البَّرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِي‌ُّ، وَأَمَّا الإمْرَةُ الفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِي‌ُّ إلَی أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ [1].

 هذا هو الكلام‌ الذي‌ قاله‌ الإمام‌ علیه السلام‌ في‌ معرض‌ جوابه‌ لكلام‌ الخوارج‌ «لاَ حُكْمَ إلاَّ لِلَّهِ».

 ويقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد هنا: إنَّ مشاهد هذا المطلب‌ هو قول‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌: إنَّ اللَهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ. أي‌ أنَّ إتقان‌ وإحكام‌ هذا الدين‌ قد وصل‌ إلی درجة‌ لو أتي‌ بعض‌ الفجّار أيضاً فتسلّم‌ زمام‌ الاُمور ليستمرّ هذا الدين‌ رغم‌ ذلك‌ في‌ سيره‌ بأصالته‌ ويؤيّد به‌.

 ثمّ يقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: إنَّ أصحابنا ( المعتزلة‌ ) يقولون‌: إنَّ تعيين‌ الرئيس‌ واجب‌ علی المكلّفين‌، بينما تقول‌ الإماميّة‌: إنَّه‌ يجب‌ علی الله‌ أن‌ يختار رئيساً للناس‌ من‌ باب‌ اللطف‌. وظاهر كلام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌: لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، هو قول‌ أصحابنا لاقول‌ الإماميّة‌ [2].

 لقد وقع‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ اشتباه‌، فكلام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ هنا لا يدلّ علی أنَّ الإنسان يستطيع‌ أن‌ يضع‌ للناس‌ أميراً باختياره‌، سواء كان‌ برّاً أم‌ فاجراً، لانَّ الله‌ لا يرضي‌ برئاسة‌ وإمارة‌ الفاجر قطعاً (وقد قاتل‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ معاوية‌ علی هذا الاساس‌ )، وإنَّما يريد الإمام‌ علیه السلام‌ أن‌ يقول‌: إنَّه‌ في‌ حالة‌ عدم‌ التمكّن‌ من‌ الإمام‌ العادل‌، يكون‌ حكم‌ مثل‌ الإمام‌ الجائر علی الناس‌ ضروريّاً. وهذا حكم‌ ثانوي‌ّ كسائر الاحكام‌ الثانويّة‌ التي‌ تتحقّق‌ في‌ صورة‌ عدم‌ إمكان‌ الحكم‌ الاوّلي‌ّ.

 وعليه‌، فقد اشتبه‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ رأيه‌ هذا؛ وكلام‌ الإمام‌ علیه السلام‌ مثل‌ قول‌: علی الإنسان أن‌ يتناول‌ الطعام‌ حتماً، إمّا الطعام‌ الحلال‌ أو أكل‌ الميتة‌، وإذا لم‌ يأكل‌ فإنَّه‌ يموت‌. فلا نستفيد من‌ أنَّ أكل‌ الميتة‌ جائز دائماً، وإنَّما يكون‌ جائزاً في‌ صورة‌ عدم‌ توصّلنا إلی الطعام‌ الحلال‌. وإمارة‌ الامير الفاجر أيضاً إنَّما تكون‌ في‌ حالة‌ عدم‌ انتخاب‌ الناس‌ لامير برّ. ووجوب‌ انتخاب‌ الناس‌ للامير البرّ من‌ المؤكّد جدّاً، وعليهم‌ أن‌ يعزلوا الفاجر؛ فيجب‌ علی هم‌ أن‌ يدافعوا ويجاهدوا ويقاتلوا إلی أن‌ يعزلوا الامير الفاجر ويضعوا مكانه‌ الامير البرّ.

 الرجوع الي الفهرس

حروب‌ أمير المؤمنين‌ علیه السلام‌ لصدّ الاعتداء وإقامة‌ دولة‌ الإسلام‌

 فما الذي‌ دعا أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ لان‌ يبقي‌ في‌ معركة‌ صفّين‌ مع‌ جميع‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌ مدّة‌ ثمانية‌ عشر شهراً؟! لقد كان‌ ذلك‌ لاجل‌ عزل‌ الامير الفاجر وإقامة‌ الامير البرّ. وكلّ من‌ يطالع‌ شرحه‌ في‌ خطب‌ « نهج‌ البلاغة‌ » الواردة‌ في‌ فترة‌ معركة‌ صفّين‌ يري‌ أنـّه‌ ( ابن‌ أبي‌ الحديد ) كان‌ يري‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ محقّاً، وأنَّ حروبه‌ علی أساس‌ العدالة‌ ووجوب‌ رفع‌ الظلم‌ والتعدّي‌؛ وأنـّه‌ يري‌ أنَّ معاوية‌ علیهالهاوية‌ مركز الفساد والتعدّي‌ والتجاوز علی حقوق‌ المسلمين‌. وإنصافاً، لقد أعطي‌ حقّ الكلام‌ في‌ بعض‌ كلماته‌ وشروحه‌ الكافية‌ عن‌ مظلوميّة‌ الإمام‌ علیه السلام‌ وشدّة‌ عناد وخصومة‌ معاوية‌.

 وعلي‌ هذا، فقد قصّر ابن‌ أبي‌ الحديد شيئاً ما هنا، وعليه‌ أن‌ يقدّم‌ جواباً أمام‌ محكمة‌ الله‌ وموقف‌ عدله‌ علی هذه‌ الاستفادة‌ التي‌ استفادها هنا من‌ الكلام‌.

 روي‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ أنـّه‌: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهما وَآلهِ: إنَّ اللَهَ لاَ يُقَدِّسُ أُمَّةً لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَأْخُذُ لِلضَّعِيفِ حَقَّهُ![3]

 ( لا يقدّس‌: أي‌ لا يطهّر ولا يُنزّه‌، ولا يمنح‌ الرشد والطهارة‌ ).

 وذلك‌ لانَّ معني‌ القدس‌ هو الطهارة‌ والنزاهة‌ والنظافة‌؛ لاَيُقَدِّسُ أي‌ْ لاَيُنَزِّهُ، لاَيُطَهِّرُ.

 يجب‌ أن‌ يكون‌ في‌ الحياة‌ الاجتماعيّة‌ ثمّة‌ أشخاص‌ يأخذون‌ حقّ المظلومين‌ والمستضعفين‌ من‌ الظالم‌ ولا يسمحوا بسحقهم‌، لتكون‌ هذه‌ الاُمّة‌ أُمّةً مقدّسة‌ مطهّرة‌. أمّا إذا فقد المجتمع‌ هذه‌ الميزة‌ ولم‌يتوصّل‌ الضعفاء فيه‌ إلی حقّهم‌ فسيصاب‌ ذلك‌ المجتمع‌ بالفوضي‌؛ فيلزم‌ وجود الوالي‌ البرّ الصالح‌ لإحقاق‌ الحقوق‌ وتدبير الضعفاء ومنع‌ الغشّ، وفي‌ حالة‌ عدم‌وجوده‌ فالوالي‌ الفاجر والفاسق‌.

 وماقيل‌: إنَّ الحقّ يؤخذ ولا يعطي‌، فكلام‌ غير صحيح‌. فالجماعة‌ التي‌ تعيش‌ علی أساس‌ العدالة‌ والتقوي‌ والطهارة‌ تسعي‌ لكي‌ تجد صاحب‌ الحقّ وتعطيه‌ حقّه‌. والجماعة‌ التي‌ تعيش‌ في‌ ظلّ الإنسانيّة‌ لايسعي‌ الضعيف‌ فيها إلی حقّه‌ بقوّة‌ السيف‌، بل‌ يأتي‌ القوي‌ ملتمساً من‌ الضعيف‌ أن‌ يأتي‌ ليأخذ حقّه‌ منه‌.

 الرجوع الي الفهرس

المُلْكُ يَبْقَي‌ مَعَ الكُفْرِ وَلاَ يَبْقَي‌ مَعَ الظُّلْمِ

 أجل‌؛ ففي‌ ذلك‌ المجتمع‌ الذي‌ يحكم‌ فيه‌ الإيمان‌ والإسلام والحقيقة‌ والشهادة‌، يصل‌ كلّ شخص‌ إلی حقّه‌، وهكذا المجتمع‌ هو مجتمع‌ الإنسانيّة‌ والاصالة‌. وسيأتي‌ أخيراً يوم‌ تنتشر فيه‌ حكومة‌ العدل‌ في‌ جميع‌ نقاط‌ الدنيا. أي‌ حين‌ وصول‌ الامر إلی حيث‌ لا يحتاج‌ الإنسان في‌ أخذ حقّه‌ إلی القوّة‌ والسيف‌، ووصول‌ حقّ كلّ ضعيف‌ إليه‌. ولذا يقول‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیهوآله‌ في‌ الرواية‌ المرسلة‌:

 المُلْكُ يَبْقَي‌ مَعَ الكُفْرِ وَ لاَيَبْقَي‌ مَعَ الظُّلْمِ [4]. وذلك‌ لانَّ الشخص

الكافر الذي‌ يكون‌ مسلّطاً علی أشخاص‌ كافرين‌ في بلد ما، يريد قيادة الناس‌ علی أساس‌ العدالة‌. أمّا إذا قام‌ الزعيم‌ أو الرئيس‌ بممارسة‌ الظلم‌ وارتكب‌ الظلم‌ في‌ حقّ الرعيّة‌، ولم‌ يراع‌ حقّ الضعفاء، ولم‌يتمكّن‌ الاشخاص‌ الذين‌ يعيشون‌ هناك‌ من‌ التوصّل‌ إلی حقّهم‌ بسهولة‌، ويواجهون‌ القلاقل‌ والوساوس‌ والاضطرابات‌، ممّا يجعل‌ تحصيل‌ الحقّ بالنسبة‌ لهم‌ من‌ دواعي‌ المشقّة‌، ويكون‌ رفع‌ الشكوي‌ من‌ قبلهم‌ إلی الحاكم‌ سبباً للتعب‌ إذ لايجدون‌ مَن‌ يهتمّ بكلامهم‌؛ وتكون‌ محكمة‌ الحاكم‌ أيضاً من‌ أسباب‌ تعطيل‌ الاُمور فيتخلّي‌ الكثيرون‌ عن‌ حقوقهم‌، لانـّهم‌ يرون‌ عدم‌استطاعة‌ الوصول‌ إليها، وينهكون‌ إلی درجة‌ تجعلهم‌ يصرفون‌ النظر عن‌ حقّهم‌ في‌ آخر المطاف‌. ولن‌ تجد هذه‌ الجماعة‌ وهي‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ أي‌ّ خير.

 فكان‌ مفاد الرواية‌ التي‌ نقلناها عن‌ العلاّمة‌ في‌ « التحرير » عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ أنَّ هذه‌ الاُمّة‌ لن‌ تسعد، وأنَّ هذه‌ الجماعة‌ لن‌تكون‌ جماعة‌ رشيدة‌.

 الرجوع الي الفهرس

لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ القَوِي‌ِّ غَيْرَمُتَتَعْتِعٍ

 قال‌ أمير المؤمنين‌ علیه السلام‌ في‌ كتابه‌ وعهده‌ لمالك‌ الاشتر النخعي‌ّ عندما أرسله‌ إلی مصر: لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ القَوِي‌ِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ [5].

 يقول‌ ابن‌ الاثير في‌ « النهاية‌ » في‌ مادّة‌ «تَعْتَعَ»: حَتَّي‌ يَأْخُذَ لِلضَّعيفِ حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ، مُتَعْتَعٍ ( بفتح‌ التاء ): أي‌ مِنْ غَيْرِ أنْ يُصيبَهُ أذيً يُقَلْقِلُهُ ويُزْعِجُهُ. يُقالُ تَعْتَعَهُ فَتَتَعْتَعَ [6].

 مُتَعْتَع‌، أي‌ الشخص‌ المبتلي‌ والواقع‌ تحت‌ الاذي‌ بنحو يسبّب‌ له‌ القلق‌ والاضطراب‌، فيقال‌ له‌: صارَ مُتَعْتَعاً. غَيْرُ مُتَعْتَعٍ، أي‌ بدون‌ قلق‌ وإزعاج‌. فيصل‌ ذلك‌ المجتمع‌ إلی رُقِيِّه‌ وقدسه‌ وطهره‌ وكماله‌ عندما يأخذ الضعيف‌ حقّه‌ من‌ دون‌ مشاكل‌، لا مع‌ الاضطراب‌ والقلق‌.

 ويقول‌ في‌ « أقرب‌ الموارد »: تَعَّ، يَتُعُّ، تَعَاً وتَعَّةً: اسْتَرْخَي‌ وَتَقَيَّأَ. تَعْتَعَهُ: أقْلَقَهُ أَو أكْرَهَهُ في‌ الاَمْرِ حَتَّي‌ قَلِقَ. تَعْتَعَ في‌ الكَلاَمِ: تَردَّدَ فيهِ مِنْ حَصَرٍ أَو عِي‌ٍّ.

 تَعْتَعَهُ، أي‌ أوقعه‌ في‌ القلق‌ والاضطراب‌، وأكرهه‌ في‌ الامر. فمن‌ يكره‌ إنساناً في‌ أمر ما ويوقعه‌ في‌ القلق‌ والاضطراب‌ يقال‌ له‌: تَعْتَعَهُ.

 تَعْتَعَ في‌ الكَلاَمِ أي‌ تَرَدَّدَ مِنْ أمْرٍ. أي‌ أنـّه‌ لم‌ يتمكّن‌ من‌ الكلام‌ وبيان‌ قوله‌ بسبب‌ ضيق‌ الصدر أو المشاكل‌ التي‌ واجهته‌.

 بناء علی هذا، فالمعني‌ بهذا النحو: أي‌ يأتِ الضعيف‌ فيأخذ حقّه‌ من‌ دون‌ أنْ تَعْتَعَ، أي‌ من‌ دون‌ أن‌ يكون‌ في‌ كلامه‌ لكنة‌ ناشئة‌ عن‌ حَصَر ( بفتح‌ الصاد بمعني‌ ضيق‌ الصدر )، ومن‌ دون‌ أي‌ّ تعبّ وضيق‌ صدر. وعندما يريد أخذ حقّه‌ أيضاً يكون‌ ذلك‌ بكلام‌ واضح‌ وفصيح‌ وظاهر، لا أن‌ يقف‌ قبال‌ الحاكم‌ للشكاية‌ في‌ أخذ حقّه‌ وهو متزلزل‌ في‌ كلامه‌ بسبب‌ الاجواء المشحونة‌ التي‌ تضطرّه‌ لعدم‌ بيان‌ مطلبه‌ بشكل‌ جيّد.

 فَعَلَی هَذا، لاَ يُقَدِّسُ اللَهُ هَذِهِ الاُمَّةَ؛ فلن‌ تكون‌ هذه‌ الاُمّة‌ أُمّة‌ مقدّسة‌، ولن‌تصل‌ إلی سعادتها وفلاحها.

 إنَّ مجموعة‌ المطالب‌ التي‌ بُحِثَتْ حول‌ هذه‌ الرواية‌ الشريفة‌ وحول‌ الاصل‌ الكلّي‌ّ للحكومة‌ الإسلاميّة‌ التي‌ توكل‌ إلی أُولي‌ الامر وتختصّ بالائمّة‌ المعصومين‌ علیهم السلام‌، وتكون‌ من‌ بعدهم‌ في‌ حال‌ عدم‌التمكّن‌ والوصول‌ إليهم‌ للدرجات‌ الاربع‌ النازلة‌ من‌ باب‌ الاَهَمُّ فَالاَهَمُّ وهي‌: درجة‌ الفقيه‌ الاعلم‌، ودرجة‌ الفقيه‌ غير الاعلم‌، ودرجة‌ عدول‌ المؤمنين‌، ودرجة‌ فسّاق‌ المؤمنين‌. وذلك‌ سواء في‌ الاُمور الولايتيّة‌ العامّة‌ أم‌ الاُمور الولايتيّة‌ الجزئيّة‌، مثل‌ أموال‌ القُصَّر والغُيَّب‌ ومجهول‌ المالك‌ والاوقاف‌. وأخيراً، يجب‌ أن‌ يقوم‌ الفقيه‌ الاعلم‌ أو الفقيه‌ العالم‌ أو عدول‌ المؤمنين‌ أو فسّاق‌ المؤمنين‌ بالترتيب‌ في‌ جميع‌ الاُمور التي‌ تحتاج‌ إلی قيّم‌، كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ عَلَی هَذا النَّهْجِ الَّذي‌ ذَكَرْنا، ويُخرج‌ تلك‌ الاُمور من‌ حالة‌ الضياع‌ والفساد، لكي‌ لايُسلَّم‌ الذين‌ يعيشون‌ في‌ ظلّ هذه‌ الحكومة‌ إلی الضياع‌ والهلاك‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

این مورد را ارزیابی کنید
(0 رای‌ها)

پیام هفته

مصرف گرایی بلای جامعه برانداز
قرآن : وَ لَنُذِیقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الأَکْبَرِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ  (سوره سجده، آیه 21)ترجمه: به آنان از عذاب نزدیک (عذاب این دنیا) پیش از عذاب بزرگ (آخرت) مى چشانیم، شاید باز گردند.توضیح : مصرف گرایی بدون تولید مناسب سبب می شود تا قیمت ها در جامعه افزایش پیدا کند و گرانی (که در احادیث به عنوان یکی از عذابهای دنیوی عنوان شده) در جامعه شایع شود.حدیث: وَ لِلّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَادٌ مَلاعِينُ مَنَاكِيرُ لا يَعِيشُونَ وَ لا يَعِيشُ النَّاسُ فِي أكْنَافِهِمْ وَ هُمْ فِي عِبَادِهِ بِمَنْزِلَة الْجَرَادِ لا يَقَعُونَ عَلَي شَيْ‏ءٍ إلاّ أتَوْا عَلَيْهِ. (اصول کافی،...

ادامه مطلب

موسسه صراط مبین

نشانی : ایران - قم
صندوق پستی: 1516-37195
تلفن: 5-32906404 25 98+
پست الکترونیکی: این آدرس ایمیل توسط spambots حفاظت می شود. برای دیدن شما نیاز به جاوا اسکریپت دارید